21-04-2020 01:44 PM
بقلم : د. راضي عبدالمجيد الطراونة
ان الازمات تصنع المواقف و تستحضر الدروس و إن الشعب الواعي هو الشعب الذي يستفيد من أزماته , بل يحولها الى فرص, و من محنة الى منح ليستفيد منها الوطن, و لقد قيل سابقا أن الضربة التي لا تكسر الظهر تقويه و نحن بحمد الله نجحنا بتحويل هذه الازمة الى مواقف صلبة و نجاحات نفاخر بها الجميع بل أصبحت مثار إعجاب الكثير من الدول و في مقدمتها بعض الدول الكبرى التي تملك من الإمكانيات الكثير و من الخبرات و التأهيل و التفوق الكثير الكثير, كل ذلك بفضل إشراف و توجيه القيادة و أداء الحكومة و جهود و احترافية من قواتنا المسلحة و أجهزتنا الأمنية إضافة الى إلتفاف و وعي و إنضباط أبناء الوطن و حرصهم الكبير على مصلحتهم و وطنهم الأمر الذي شكل قصة نجاح كبيرة و رائعة رغم تواضع الإمكانيات.
و عندما نتحدث عن الأزمة فلابد أن نؤكد أنها ليست أزمة عابرة كباقي الحالات التي سبقت و تم التعامل معها بالشكل التقليدي النظري لإدارة الأزمات بل لابد من التشخيص أولا على أنها أزمة كبرى بكل ما تعنيه الكلمة, كبرى بعالميتها حيث طال تأثيرها معظم دول العالم, الكبرى و الصغرى, المتقدمة و النامية , البعيدة و القريبة , و كبرى بشموليتها فقد بدأت كأزمة صحية بإمتياز لكن تأثيرها طال جميع الأنشطة الإقتصادية و التجارية و الصناعية و الخدمية بما فيها الأنشطة الأكاديمية و التعليمية و لأنها تميزت ببعدها الزماني و المكاني , الزماني لوصولها و انتشارها بالسرعة التي تسابق الزمن و المكاني لمحاصرتها بحدود المكان الواحد و إغلاقها للدول كل على انفراد , من هنا جاءت أهمية الأستعمالات الالكترونية سواء بالتعليم عن بعد أو المتاجرة عن بعد أو غيرها من الأدوات الالكترونية اللازمة لكل قطاع أو نشاط حسب خصوصيته.
و بحكم الاختصاص و الخبرة فقد طرحت مقالا الاسبوع الماضي و بمناسبة الأزمة الطارئة بعنوان " القطاع الزراعي أولا" للتذكير بأهمية القطاع في ظل ظروف الأزمة, هذه الأهمية التي أؤكد عليها دائما و باستمرار لقناعة مطلقة بها و قد أشرت في هذا المقال الى أن الأزمة أشرت و بشكل رئيسي على منظومة الإكتفاء الذاتي و أهميتها باعتبارها تتعلق بالمنتج المحلي داخل حدود الوطن و تراجع منظومة الأمن الغذائي المعتمد على ما يتم استيراده من الخارج في ظل ظروف الأزمة و الأغلاقات الحدودية و أنه لابد أن نعتمد على مواردنا و إمكاناتنا الذاتية و نطورها باتجاه زيادة نسب الأكتفاء الذاتي لتعويض النقص الحاصل بغياب الإستيراد و إغلاق الحدود , أما و نحن نعيش أزمة حقيقة فقد إعتبرتها السانحة المهمة لأن تتولد القناعة لدى الجميع بالتأكيد على أهمية القطاع بشكل إستثنائي للضرورة و الحاجة الماسة للتعامل مع معطيات الأزمة الطارئة.
نعلم تماما ان أي أزمة لها آثارها المباشرة و غير المباشرة و عادة ما تكون الآثار المباشرة هي آثار عاجلة تظهر بشكل سريع في حين أن الآثار غير المباشرة قد تستغرق بعضا من الوقت فإذا ما نظرنا الى هذه الأزمة فإن تأثيرها المباشر في الجوانب الصحية و التي نحن بصدد متابعتها اليومية و نأمل من الله تعالى أن تبدأ آثارها بالانحسار قريبا بفضل الجهود المظنية التي تقدم من الكوادر المختصة الا ان الاثار غير المباشرة و التي كما أشرنا قد تستغرق بعضا من الوقت فلابد أن يبدأ التحضير لها من الآن.
لقد تابعت و اطلعت على مجموعة من المقالات و المقترحات التي تقدم بها مجموعة من الزملاء المختصين و الأكفاء في القطاع الزراعي و جميعها تؤشر على أهمية أخذ زمام المبادرة بالتحضير لإعداد إستراتيجية شاملة جديدة للأمن الغذائي تأخذ بعين الإعتبار كل هذه المعطيات و إني اذ أؤكد على أهمية ذلك فإنني أقترح على الحكومة الموقرة بضرورة تشكيل لجنة عليا للأمن الغذائي تترأسها وزارة الزراعة و ليس غيرها و تشترك بها جميع الجهات الرسمية و الخاصة بحيث تبدأ اللجنة أعمالها على الفور لإعداد و صياغة الاستراتيجية من حيث الإطار العام و تحديد هدفها الرئيسي و أهدافها الفرعية و النتائج المتوقعة المطلوب تحقيقها و برامجها و أنشطتها و الجهات المنفذة لها بحيث يتم وضع الخطة الزمنية للتفيذ و توزيع أدوارها على الجهات التنفيذية كل حسب إختصاصه و يبدأ العمل بها فورا مع الأخذ بعين الإعتبار ما يلي :
1. قيام وزارة الزراعة بتجهيز قاعدة بيانات كاملة تشمل المساحات الصالحة للزراعة و المساحات المزروعة منها و حصر المساحات غير المزروعة منها و الممكن التوسع بزراعتها و ذلك بدراسة مواصفاتها و الزراعات المناسبة لها على أن تكون من سلع العجز المطلوب إنتاجها و على ضوء حسابات كميات الانتاج و الاستهلاك و التخزين و التصنيع و من ثم تقدير الفائض أو العجز ليتم توفيره من تلك الزراعات أو طرح بدائل جديدة من السلع مكانه.
2. حصر الكميات الممكن إنتاجها من الأراضي المنتجة أصلا أو الاراضي جديدة الانتاج أو الممكن انتاجها بوسائل و تقنيات جديدة و لأماكن جديدة مع أهمية تخفيض سلع الفائض و زراعة الأراضي بدلا منها في سلع العجز.
3. حصر الموارد المائية المتاحة و الموارد المائية الممكن إضافتها من خلال إنشاء سدود جديدة تستوعب كميات الأمطار التي تهطل على المملكة و يمكن الإستعانة بجهود القوات المسلحة في هذا المجال, إضافة الى زراعة الأراضي المحاذية بالسدود و الإستفادة من فائض و فياضانات السدود في الاراضي المحيطة.
4. حصر القوى العاملة و التي لا تعمل الآن بسبب الأزمة و كذلك المهندسيين الزراعيين و الجامعيين الباحثين عن عمل و الاستفادة من تخصصاتهم و خبراتهم في هذا المجال ليكونوا أعضاء في تعاونيات زراعية في هذا الخصوص.
5. تقديم الدعم لوزارة الزراعة لتقوم بوضع برامج متخصصة بجميع أنشطتها حسب الإختصاص بما يعزز تقديم الدعم المطلوب للمزارعين سواء أكانوا بالانتاج النباتي او الحيواني.
6. تقديم الدعم لوزارة الزراعة لتصميم برامج إرشادية متخصصة لتوجيه المزارعين الى منتجات محددة سواء بالانتاج الحيواني او النباتي لانتاجها من خلال الأراضي الجديدة و في المواقع الجديدة و بطرق و آليات عمل جديدة كالزراعة المائيه والعامودية و المكثفة.
7. دعم مؤسسة الأقراض الزراعي لتصميم برامج ومشاريع جديدة تحقق الإكتفاء الذاتي و تثقديم قروض و حوافز للمقترضين لتنفيذ تلك المشاريع الجديدة كمشاريع زراعة السلع الإستراتيجية و سلع العجز.
8. إعادة إحياء التعاونيات الزراعية بكافة أشكالها بحيث تشمل هذه الأنشطة حسب التخصص و إعطائها الحوافز للتأسيس و دعم أنشطتها بتقديم المياه المطلوبة لمساحات أراضيها الزراعية و دعم مستلزمات الإنتاج.
9. تقديم الدعم الى وزارة الزراعة للتنسيق مع الوزارات المختصة وتصميم برامج إرشادية للمستهلكين لإعادة النظر بالنمط الاستهلاكي السائد و تخفيض كميات الاستهلاك الزائد و لنا في تجربة الدول التي خضعت للحصارات مجموعة من الدروس فقد دفعها الحصار الى زيادة إنتاجها و تخفيض إستهلاكها بنسب كبيرة وصلت أحيانا الى نصف الكمية المستهلكة و أكثر.
10. دعم المركز الوطني للبحوث الزراعية و أية جهة بحثية علمية أخرى للقيام بأبحاث علمية على قدر عالي من الأهمية لإستنباط أصناف جديدة تتميز بزيادة الإنتاجية و مقاومة الظروف الطارئة و المخاطر الزراعية و التغيرات المناخية و إدخال تقنيات جديدة لزيادة الإنتاج و العمل على انتاج بدائل جديدة لبعض السلع لإدخالها في النمط الإستهلاكي السائد.
11. إعادة النظر في التشريعات الناظمة لعمل بعض المؤسسات الرسمية بما يساهم بتسخير كافة الإمكانات لتسهيل تنفيذ هذه الاستراتيجية و على رأسها التشريعات الناظمة لعمل و صلاحيات وزارة الزراعة بحيث يتم ازالة ايّ تداخلات بينهما قد تعيق العمل و كذلك نظام إستعمالات الأراضي بحيث يحافظ على إستعمالات الأراضي الزراعية لهذه الغاية و تشريعات أخرى تتعلق بعضها بالبلديات و الأسواق المركزية و بعض مؤسسات رسمية أخرى مع أهمية إعادة النظر في التشريعات الرئيسيه الناظمه للحركة التعاونية في الاردن.
12. أخيرا و على ضوء هذه المعطيات فإنه لابد من وضع مصفوفة تتضمن الخطة الزمنية للتنفيذ و توزيع الأدوارحسب النشاط و حسب الجهة المنفذة ابتدا من الآن و ذلك لاستغلال الوقت في الاشهر القليلة القادمة لتلافي أية عجوزات قد تحصل في المخزون الاستراتيجي و إحلال البدائل المنتجة في الوقت المناسب.
حمى الله الاردن و حمى قيادته و قواته المسلحة و أجهزته الامنية و شعبه العظيم