09-04-2020 12:01 AM
بقلم : البروفسير ياسر الخلايله
تناقل الكثيرون فكرة اخضاع الصين للمثول امام محكمة العدل الدولية كمسؤولة عن انتشار فايروس كوفيد – 19، باعتبار أنّها قد خرقت اللوائح الصحية الدولية (IHR) التي تم تبنيها من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) عام 2005، وخصوصاً الالتزامات الواردة بالمادة السادسة منه والخاصة بواجب "الاخطار السريع" ومشاركة المعلومات المتعلقة بالأوبئة قبل فوات الأوان وبما يقلل من التهديد الذي أصاب البشرية جراء انتشار فايروس كورونا المستجد.
ولأن هذه المعاهدة جاءت لمساعدة المجتمع الدولي على مكافحة انتشار الأمراض المعدية، فلقد نصت على أنّ مضمونها ينطبق على أي مرض "يعرض أو يمكن أن يلحق ضررا كبيرا بالبشر"، أو "أي طارئ صحّي عام ذا اهتمام دولي". وبالتالي، فإنّ أي "حدث استثنائي" من شأنه أن يشكل خطرًا على الصحة العامة على دول أخرى لا بد أن تتم مواجهته عن طريق مواجهة دولية منسّقة.
وبالنظر فيما حصل فعلاً، يبني الكثيرون قناعتهم على وجوب إقامة مسؤولية الصين القانونية عن انتشار هذا الوباء على أساس أنّها تأخرت في إخطار بقية دول العالم عنا أدى إلى زيادة عدد المصابين حول العالم. غير أنّه يمكن القول أنّه قد غاب عن هؤلاء أمراً هامّا يتعلق بإمكانية مسائلة الصين قانونياً، وخصوصاً لزوم توافر شرط الاختصاص القضائي لمحكمة دولية، أو محكمة تحكيم دولية، لتحقيق تلك الأمنية. وبالرغم من أن هناك من يرى بأنّه يمكن الركون على المادة 56 من اتفاقية الصحة الدولية (IHR) والخاصّة بوسائل فض المنازعات من هذه الشكلة، إلّا أنّ هذا استنتاج يخالف صحيح القانون الدولي حيث أن قواعد وآليات اللجوء للتحكيم الدولي تتطلب قبول اللجوء للتحكيم من قبل أطراف النزاع بداية، الأمر الذي لا أرى أنّه سهل المنال من قبل دولة كالصين.
ولتجاوز مسألة توافر الاختصاص القضائي، وبموجب المعطيات الحالية، أرى أنّه يمكن ذلك فقط بالاستناد على المادة 75 من دستور منظمة الصحة العالمية ذاته والتي تنص على أن "أي مسألة أو نزاع يتعلق بتفسير أو تطبيق هذا الدستور لا تتم تسويته عن طريق التفاوض أو جمعية الصحة يُحال إلى محكمة العدل الدولية ...". فبرأينا، لا بد من استيعاب تفسير موسع لنص المادة 75 تماما كما ثبت اتجاه محكمة العدل الدولية في تبني تفسير موسع لاختصاصها العام المنصرم في القضية التي نظرتها بين أكرانيا وروسيا، حيث تبنت المادة 22 من اتفاقية عدم التمييز العنصري بهذا المفهوم الموسع لإرساء اختصاصها في نظر القضية بينهما وتمرير قرارها على ذلك الأساس. وعليه، يبدو أنّه يمكن أن يتاح لأي دولة، ذات مصلحة، تود ابتداء قضية تعويض ضد الصين بشأن انتشار قايروس كوفيد – 19، أن تبتدئ بتسجيل قضيتها دونما أدنى حاجة من أن تفعل ذلك من خلال اللجوء لجمعية الصحة كشرط لأن تُحال القضية إلى محكمة العدل.
في هذا الإطار، لا بد من التنويه إلى أن منظمة الصحة الدوليّة ليست سوى جهة توجيهية وتنسيقية ضمن منظومة الأمم المتحدة فيما يخص المجال الصحي، وأنّ من مهامها وضع القواعد والمعايير والخيارات السياسية، وتوفير الدعم التقني إلى البلدان ورصد الاتجاهات الصحية وتقييمها. أي أن استنتاجي أعلاه يمكن أن يواجه بأنه غير صالح على أساس أنّ دستور منظمة الصحة العالمية لا يحتوي على التزامات جوهرية واضحة المعالم بديلا عن قانون الصحة الدولي. وباعتقادي ان هذا ليس صحيحا حيث يمكن الاستناد على البدائل التالية:
1) يمكن الاعتماد على المادتين 21 و 22 من دستور منظمة الصحة العالمية واللتان تمنحا جمعية الصحة العالمية سلطة اعتماد لوائح تنفيذية (مثل اللوائح الصحية الدولية)، وعلى أنّها باعتمادها تلك اللوائح "تدخل حيز التنفيذ بالنسبة لجميع الأعضاء". وهكذا، يمكن تصوّر مسائلة الصين قانونياً عن انتهاكها لمبدأ "الاخطار السريع".
2) يمكن الادعاء بأن الصين انتهكت المادة 64 من دستور منظمة الصحة العالمية، التي تنص على أنّ "يقدم كل عضو تقارير إحصائية ووبائية بطريقة تحددها جمعية الصحة". المادة 6 (2) من جهتها تلزم الدول الأطراف، بعد إخطار منظمة الصحة العالمية بحدث قد يشكل حالة طوارئ صحية عمومية تثير قلقًا دوليًا، "إبلاغ منظمة الصحة العالمية ... بدقّة وفي الوقت المناسب". وكما تتطلب المادة 7 من الدول الأطراف بأنّه في حال كان للدولة أدلة على حدث يشير إلى إمكانية وقوع وباء أن تسارع إلى "تزويد منظمة الصحة العالمية بجميع المعلومات الصحية العمومية ذات الصلة". وبناء على ذلك، يمكن للدولة أن تدعي أن الصين انتهكت المادة 64 من دستور منظمة الصحة العالمية من خلال انتهاك المادتين 6 و 7 من اللوائح الصحية الدولية.
هذه البدائل ستكون ممكنة فقط في حال ما تبنت دولة ما الخيار القضائي لموضوع انتشار وباء كورونا في مواجهة دولة بحجم الصين. وهي بالطبع ليست بالمهمة سهلة. ولكن حتى إذا لم يكن الطعن القانوني ناجحًا، فإن متابعة مثل هذه القضية في منتدى عام كمحكمة العدل الدولية يمكن أن يؤدي إلى انتصارات سياسية كبيرة. وعلينا التذكر بأنّ البشرية لن تواجه انتهاكات للقانون الدولي على هذه الشكلة كل يوم، وأن الاستثمار القضائي والقانوني في هكذا جائحة يغدو متطلباً لا غنى عنه.