29-02-2020 10:25 AM
بقلم : د. ماجد الخواجا
تنهج الإدارة العامة والخاصة في الدول المتخلفة المقيدة بإرث وتراكم تاريخي من القمع الاجتماعي والسياسي وبالتالي الإداري، نهجاً خليطا من الفردية والاستبداد والفوضوية وشيئا لا يذكر من الديمقراطية.
وهذا يعود لما يدعى بإعادة انتاج النظام السياسي لهيكلياته التنظيمية، وعندما يكون النظام السياسي قائما على مبدأ ولي النعم، المانح المانع، المعطي المقصي، ويكون الولاء الفردي والشخصي هو حجر الأساس في كافة مفاصل المجتمع، حينها تصبح الجدارة والكفاءة مجرد كلمات تلوكها الألسن دون أن بكون لها أدنى تأثير على سير العمل العام والحياتي اليومي.
لهذا لا غرابة أن يبقى الفهم الإداري لدينا قاصراً وعاجزاً عن أي فعل إبداعي حقيقي، وعن قيام مأسسة للعمل وهيكلياته التنظيمية.
يطغى على الإدارات المختلفة نمط الارتجال والفردية وعدم مراكمة الانجازات، وبالتالي تصبح الخطط والاستراتيجيات والغايات مجرد حبر على ورق.
إن نظريات الإدارة بما يختص بأنماط العمل الإداري وعلى اختلافاتها، فهي تكاد تتفق على وجود ثلاثة أنماط إدارية مشاهدة وملموسة في المنظمات وتشمل :
1- النمط الاستبدادي الفردي : ويستمد المدير قوته من الموقع أو المركز الرسمي، ومن الخصائص الشخصية مثل الخبرة والكاريزما، ويكون السلوك الإداري سلوكا تسلطيا مباشرا، والتركيز على القوة الرسمية والتدخل والإشراف عن قرب للتأكد من أن كل شيء يتم تنفيذه كما يريد، فهو يستند إلى التحكم والشعور أنه بحاجة لأن يكون في كل مكان وفي أي وقت وفي كل التفاصيل، فيلجا إلى الرقابة اللصيقة وقد تتطور إلى كتابة التقارير وإلى ما يمكن تسميتهم بالجواسيس المتطوعة أو المكلفة والمنتشرة في المنظمة، إنه لا يثق إلا بما يقوم به بنفسه، إنه يقرر ما العمل ثم يخبر التابعين كيف يعملونه، وهذا يعتبر من أتباع نظرية X في الإدارة التي لا ترى غي العامل أو الموظف إلا مجرد انسان سلبي اتكالي كسول وخامل، ولكي يقوم بالعمل علينا استخدام أسلوب العصا والجزرة معه. فالمدير هنا يركز على الانتاج ويقل اهتمامه بالعلاقات الإنسانية والرضى الوظيفي.
2- النمط الديمقراطي : هنا الإدارة تقوم على العلاقات الإنسانية وتستند إلى فلسفة إدارية مفادها أن الأفراد ايجابيون ونشيطون ويمكن الوثوق بهم وبما يقومون به من أعمال، وأن الرضى للعاملين هو الأساس في جودة وزيادة الإنتاج، وأن المنظمة ذات المناخ التنظيمي الصحي هي التي يسود فيها احترام كرامة العامل وحريته وما يقوم به من ممارسات وسلوكيات إدارية، المدير هنا يكون تشاركيا في اتخاذ القرار الذي يجمع عليه كافة المعنيون به أو بالأفلبية المطلقة، وهو يمكن اعتباره بمثابة المنسق أو رئيس الفريق الذي يدعم ويساند ويتبنى ما يتفق عليه المجموع، غي هذا النمط الإداري تكون البيئة التنظيمية ايجابية ونشيطة والعمل يخرج من وازع ذاتي، مع رضى وظيفي عام.المدير هنا يكون من أصحاب نظرية Y في الإدارة.
3- النمط الفوضوي : هذا النمط يستند إلى مبدأ عدم الاستناد لمبدأ محدد، فتجد المدير والعاملين يجتهدون وينفذون ويؤدون أعمالهم دون تخطيط ودون رؤية واضحة، وتتخلل الاجتماعات كمية كبيرة من الفوضى وعدم التمكن من إدارة الوقت أو الخروج بنتائج محددة ومثمرة، يكون المدير متسيباً وغير منضبط ، وبنفس الوقت يمارس العاملون سلوكيات غير منضبطة وغير فعالة، هنا يكون الإنتاج في أدنى حالاته، مع تدني الرضى الوظيفي.
لقد تناول أحد علماء الإدارة ويدعى ليكرت مفهوم " الفجوة الزمنية Gap Time " وفيها يتحدث عن حاجة القائد إلى الوقت كي تظهر انجازاته، فالنتائج لن تتحقق فقط بوجود الأسباب لأن هناك متغيرات وسيطة لها الدور الرئيس في ذلك، وتشمل هذه المتغيرات المناخ التنظيمي ، دافعية واتجاهات الأفراد، الأهداف المخطط لها، وغيرها. وسيتم الحديث عن الفجوة الزمنية في المقال القادم بحول الله.