24-02-2020 10:17 AM
بقلم : شريده عبدالرحمن الشريدة
قمت بشراء تذكرة الباص المنطلق من إربد والمتوجه إلى المفرق، مندفعًا نحو الموقف فيبشرني بالخبر ذلك الشخص المنظّم الذي حفظ وجهي بعد انقضاء سنتي الدراسية الأولى في الماجستير، قائلا: "حظّك حلو" فبيني وبين نفسي أحاول التعليق سريعًا وأيهما حظ ! "الباص فل اخر مقعد بالكرسي الأخير وبنطلع"، فجاهدت أن اجد لنفسي متسع من الوقت للتفكير بين الانتظار وعليه التأخير، وبين وضعية ما بين وبين رغم أنه مقعد قانوني ويختلف عن فرض الراكب الزيادة، إلا أنني اجده مجحف جدًّا!
بحسب رؤيتي المتواضعة أنها وضعية تحجّم الشخصية فلا استطيع أن انفرد بكتفي جيدا فهما غالبًا يتخذان ذات الحركة وبشكل مقيّد لمن هم على يميني ويساري، وأنا قابع في عقدة الوسط واشعر بها أني منعدم الوزن واتخذت بعدًا ضبابيًا فلن يقف الأمر عند هذا السوء، فيقبع على ظهرك الغير مستوي أساسا حملًا أخرًا باللباس الشتوي وجينات الوراثة التي تجعل منك شخصًا سريع الضغط ولا تحتمل زخم التدفئة فتزيد من الطين بلة.
وأسستها جزافًا وبغير دراسة على تلك الحالة التي تنخفض بها قوة الشخصية إذا قمت بارتداء لباسًا طويل خصوصًا من ناحية الأكمام! أو القبة الخنق! حيث يفسّر علم النفس في أحد الكتب التي قراتها مؤخرًا بأن الطفل الذي يرسم الذراع بشكل قصير نسبيا عن باقي الجسم يوحي بأنه غير قادر على التعبير أو مغلوب على أمره، وأيضًا خطر على بالي أثناء كتابة هذه الأسطر الوصف المتداول( فلان أيده طويلة وهنا دلالة القوة المتأتية من الضرب، والقول الاخر بأن فلان أيده طايله أي له صولات وجولات وباستطاعته أن يأمر وينفّذ وهذا تشبيه بليغ خدمني في استعراضي لهذه النقطة لتوضيح ماهية الحالة، فرفضت وفضّلت البقاء وانتظار 52 راكبًا جدد لنتشارك الطريق.
وشائت تصاريف القدر فما هي إلّا نصف ساعة حتى امتلئت الحافلة بعدما حجزت لنفسي موقعًا استراتيجيا خلف السائق مباشرة، فيمتاز المقعد بأنه أكثر اتساعا نسبيا، على عكس باصات (الكوستر)، وشاطرني حينها شاب لا يبدو عليه أنه يكبرني عمرًا واكتمل الحظ بالنسبة لي بأنه غير بدين فكلانا نلتزم بالحاجز الذي يتوسطنا، والنافذة برمتها لي والشمس غائمة وعليه يمكنني أن استمتع دون ازعاجه متكئًا برأسي محدقا.
وبعد أن همّ السائق بالقيادة سرعان ما انقشعت الجدران الأسمنتية وجميع مظاهر الحداثة بازدحامها وتوسّطت الطبيعة الطريق بخضرتها وتربتها الحمراء، منتهية بثلثها الثالث بالأراضي الصحراوية الجميلة متيحة لك أن تمدّ بصرك وترمي به بعيدًا على غير المعتاد في هذه الأيام التي نعيشها، والمحددة غالبًا بشاشة الهاتف أوالمركبة التي أمامك إن كنت تقود، إلى حين ذلك قاطع خلوتي غير مستأذنا وسألني باللهجة العامية الدارجة "ليش أحنا كذّابين؟".
فتوجهت له بالحديث "عفوًّا" رغم تولد شعور داخلي لدي حينها بأن نتبادل النقاش على غير عادتي، فأجبته بأن الفلسفة هي الحل رغم عدم درايتي بتفاصيل ما يقصده بالسؤال، فتبادلنا التعارف ... وعرفت منه أنه طالب أدب إنجليزي ثم قال لي أن لدي وجه مريح "مشان هيك اعطيني رأيك بس أنا ما رح احكيلك شو الموقف يلي صار" فأصبح لدي تساؤل مفتوح وفقر تفاصيل، ووجدتها فرصة جيدة للشرح فاجبته بشكل مختصر بأنه إذا وصفت الأمر بأنه انسلاخ عن الهوية قد يكون مجحفًا وهذه المواقف اصبحت بديهية لشخص يحاول القضاء على الفروقات أيًا كانت الطريقة ليظهر بشكل لائق أمام الجموع، والسبب يعود بوجهة نظري للدافع الذي يحرّك الإنسان نحو كسب تقدير الأخرين بالمجتمع(وهنا اقصد مجتمع الدراسة أو الموقف الذي يدور بذهن ذلك الشخص فيستوي أن يكون مجتمع المطعم الذي تأكل به أو زملاء الغرفة الصفية وغيرهم) ونصحته حينها أن يطالع كتاب قلق السعي إلى المكانة للكاتب الان دو بوتون والذي أعدّه بالمناسبة ضمن أفضل 10 كتب.
و بناءًا عليه سوف يصبح المجتمع ونظرته لك هو المعيار الذي تسير بناءًا عليه غير مكترث بما يناسبك ولا يناسبك فتنشق عنه صفة الإنسان الهوائي، وسوف تفقد سعادتك لا محالة لأنها مربوطة بالأخرين حتى وإن كانت لك بشكل عرضي، فيصبح الكذب وتزييف الواقع عادةً.
وضربت له أمثلة من عقلي فيستوي أن يكون الموقف حالة خوفك أن تنطق خطئًا الأسم الأجنبي لوجبة في مطعم أو تحاول تعريبه فيزداد الحنق، ويستوي أن يكون في حالة شخص يلبس قميص مفتوح الصدر ليظهر ما يستطيع من اتقاد شبابه رغم أنه من الداخل يرتجف بردًا ولكن بالعامية (البرستيج أهم)، أو تقديم التهاني للمسؤولين إن لم تكن تعرفهم ومخاطبتهم بمبارك (أبو فلان) وهذه عبارة تشديد لتدل على مدى القرابة فينعدم وزنك تمامًا وتختفي كينونتك مقابل بروز صورتك أمام ما تمثله في أعين المجتمع، وهنالك العديد من هذه الصور، فقاطعني بإعجاب وقال (جاوبتني مع أنك ما بتعرف التفاصيل) ووعدني بقراءة الكتب التي أوصيته بها كما أنه شجّعني على الكتابة.