03-02-2020 10:17 AM
بقلم : الدكتور منذر عبد الكريم القضاة
أُصُول الإفْسَاد الَّتِي عَمَّت الْبِلَاد
جَمْع وَتَرْتِيب وَتَهْذِيب الدُّكتور مُنْذر عَبْد الكَريم القُضَاة – الأردُن
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَمِيْنِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِيْنَ، … أَمَّا بَعْدُ:
لا يَخْفَى عَلَى كَثيرٍ مِنَّا مَا تُعَانِيهِ كَثيرٌ مِن البُلدَانِ المنْتَسِبةِ إلى الإسْلامِ مِنَ الضّغُوطِ الغَرْبيَّة الشَّدِيدَة، وَالَتي تَسْعَى سَعْيَاً مَحمُومَاً لِتَغيير هَويَة المسْلِم، وَصَرفه عَن دِيِنهِ ، وَالابْتِعَاد عَنِ الطَّرِيق القويم ؛ فَقَد رَأينا كَيْفَ تَقَاطَرت المنْكَرَات ، وَالمصَائِب ، وَالوَيْلات ، وَالكُرَب إلى بِلادِ المسْلِمين تَقاطراً غَير مَعْهُود. ذَلِكَ أَنَّ لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالنَّفِاقِ وَالْبِدْعَةِ أهْل التَّحَرر وَالمجوُن ، أوليَاء الشَّيَاطين ، وَأعْدَاء أهْل العَفَاف الطَّاهِريِن ، مُحبُو إشَاعَة الفَاحِشة في المؤمنين ، أشْبَاه الرِّجَال ، وَزُوَار السَّفَارات ، وَأذْنَاب الغَرْبِيين الكُفَّار ، المسَيْطِرين عَلَى العَالمِ بِأسْرهِ ؛ بِسنِّ القَوانين وَالدَّسَاتير الطَّاغوتية الشَّيطانيَّة الشهوانية مَخَطَطًا يَسْتَمِيْتُوْنَ فِيْ تَحْقِيْقِهِ ، وَذَلِكَ فِيْ مَشَارِيْعِهِمْ الشَّيْطَانِيَةِ لِإِضْلَالِ الْعِبَادِ وَمِنْ أَسَالِيْبِهْمْ فِيْ تَنْفِيْذِ هَذَا الْمُخَطَّطِ الْخَبِيْثِ في حُلُوْلِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْمَعَاصِي، وَالتَّفَرّق وَعَدَم التَآلف ، وَنزَع المهَابَة مِنْ صُدُورِ أعدائنا ، وَاصْطِناَع الأزَمَات المتَفَجِّرة فِيْ دِيَارِ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ خِلالِ :
تَبْدِيْل الدِّيْنِ وَتَحْرِيْفُهُ
مِنْ مَسَاعِيِ أهْل الإفْسَاد : الصَّد عَنْ سَبِيْلِ اللهِ -مَكْرًا وَكَيْدًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ؛ خَاصَّةً فِيْ هَذِهِ الْأَيَّامِ وجَعْل الدين مُتَّسِقًا مُتَوَازِيًا مَعَ أَهْوَائِهِمْ الشَّيْطَانِيَّةِ ، وَخِطَطِهِمْ السِّيَاسِيَّةِ وَالْاِقْتِصَادِيَّةِ ، وَطَرِيْقُهُمْ الَآنِي الَّذِيْ اِنْتَهَجُوْهُ لِتَحْقِيْقِ ذَلِكَ هُوَ تَفْسِيْرُ النُّصُوْصِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى ، وَمُرَادِ رَسُوْلِهِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ وَعَلَى غَيْرِ فَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، وَلِيَجْعَلُوْهُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوْ الْمَنْهَجُ الْمُتَّبَعُ الْمُعْتَمَدُ الَّذِيْ يَنْشَأُ عَلَيْهِ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِيْنَ وَنَاشِئَتُهُمْ فِيْ مَدَارِسِهِمْ ، وَمُؤَسَّسَاتِهِمْ الْعِلْمِيَّةِ ، وَلِيَخْرُجُوْا بَعْدَ ذَلِكَ بِنَتِيْجَةٍ حَتْمِيَّةٍ أَنَّ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا " الدِّيْنَ الْجَدِيْدَ" ؛ الْمُتَضَمِّنَ لِهَذَا الْمَنْهَجَ الْحَدِيْثَ هُوَ : " مُتَطَرِّفٌ إِرْهَابِيٌّ".
التَّألِيب عَلَى الحُكَّام
فِي هَذَا الزَّمَان خَرَجَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي عَدَدٍ مِنَ الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى حُكَّامِهِمْ ، وَوُلَاةِ أَمْرِهِمْ بِسَبَبِ الْجَوْرِ وَالْحَيْفِ، وَالْعُدُول عَنِ الْعَدْلِ، وَالْفَسَادَ، وَتَدْنِي مُسْتَوَى الْمَعِيشَةِ فِي ظَلِّ وَضْعٍ اِقْتِصَادِيٍّ مُتَرَدٍ ، وَتَأَجَّجَتْ فِي كَثِيرٍ مَنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ نَتِيجَةً لِذَلِك الْمُظَاهَرَات، وَاتَّقَدَت الْاِحْتِجَاجَات، وَزَادَت الْاِعْتِصَامَات، وَثَارَ النَّاسُ، وَفَشَا الْقَتْلُ، وَكَثُرَ الْهَرَجُ، وَاُسْتُحِلَّت الدِّمَاءُ، وَهُتِكَت الْأَعْرَاض ، وَغَرِقَ النَّاس فِي بَحْرٍ مِنَ الْفِتَنِ السَّوْدَاءِ ، وَرَفَعَتْ رَايَاتٌ كَثِيرَة فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَدَخْلَ الْغَوْغَاء وَالْمُنْدَسِّين أَصَحَاب الأجِنْدات الْخَارِجِيَّةَ دُعَاة الْفِتْنَةِ وَالْخَرَابِ، وَشَجَّعُوا الْمُتَظَاهِرَيْن بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْحُرِّيَّةِ إِلَّا أَنَّ هَذَا أَفْضَى بِهَذِهِ الْبِلَادِ إِلَى الْمَزِيدِ مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْخِلَاَف، وَالنِّزَاع، وَالْوُصُول إِلَى حَافَّةِ الْاِنْهِيَارِ، خَاصَّة في ظِلِّ الْاِنْتِشَارِ غَيْرَ الْمَسْبُوقِ لِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَنُشِرْ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ، وَتَأْجِيجَهَا بِدَعْوَى الْوَطَنِيَّةِ وَحِمَايَةِ الْوَطَنِ، وَالْعَمَل عَلَى تَزْيِينِ الْوَاقِعِ بِغَيْرِ حَقِيقَتِهِ، وَإِثَارَةٍ غَيْرَ مَسْبُوقَة لِلْعَوَاطِفِ الْجَيَّاشَةِ، وَاِتِّهَامَات غَيْرَ صَحِيحَة، وَإِطْلَاق الْغَرَائِزِ الْمَكْبُوتَة، وَمُمَارَسَة لِلْفَوْضَى السُّلُوكِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَحَرُّجٍ أَوْ حَيَاءٍ .
النَّيْل مِنْ عُلَمَاءِ الدين وَاسْقَاطِهِم
مِمَّا عَمَّ بِهِ البَلَاء فِي مُعْظَمِ نَوَاحِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ إِلَّا مِنْ رِحْمِ رُبَى مَا يَحْدُث مِنْ جَرِيمَةٍ نَكْرَاءٍ؛ لِإِسْقَاطِ عُلَمَاءَ السَّنَةِ وَالجَمَاعَةِ، وَالاِفْتِيَات عَلَى العُلَمَاءَ وَالمَشَايِخِ والدعاة بِدَعَاوَىٍ كَثِيرَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَاطِلَةٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؛ فَسَلَفَ الأُمَّةَ هَؤلاء حَرِيصُونَ عَلَى جَمْعِ الكَلِمَةِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، وَتَنْقِيَةِ الدِّينِ مِنْ تَحْرِيفِ الغَالِينَ، وَاِنْتِحَالُ المبطلين، وَتَأْوِيلُ الجَاهِلِينَ .
دَعْم أَهْلَ الْأَهْوَاءِ مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ إِلَى الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ
نَعِيشُ الآنَ فِي وَقْتٍ وَزَمَنٍ تَعَدَّدْت فِيهُ المَرْجَعِيَّات، وَقُلَّ العُلَماء، وَكَثَّرْتَ الشُّبَهَ، وَلَبِسَ الحَقُّ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَصْبَحَ يَحُولُ بَيْنَ الحَقِّ وَأَهْلِةِ دُعَاةَ الضَّلالة، وَأدْعياء العِلْمُ، وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الضَّلَالِ وَإِنْ تَبَاكَوْا عَلَى الإِسْلَامِ ، وهؤلاء سَبَبٌ كَبِيْرٌ فِيْ اِسْتِفْحَالِ دَاءِ الْهَوَى وَالزَّيْغِ وَانْتِشَارِهِ ، قَدْ " أُوتُوا ذَكَاءً وَمَا أُوتُوا زَكَاءً ، وَأُعْطُوا فُهُومًا وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا ، وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً قَدْ أَظْلَمَتْ قُلُوْبُهُمْ مِنْ نُوْرِ السُّنَّةِ ، وَأُشْرِبَتْ بِحُبِّ الشُّهْرَةِ وَالشَّهْوَةِ ، قَدْ أَتَوْا بِعَجَائِبَ مُضْحِكَةٍ ، يَضْحَكُ مِنْهَا صِغَارُ أَهْلِ التَّوْحِيْدِ عِنْدَنَا قَبْلِ كِبَارِهِمْ ، مِنْ مِثْلِ : اِسْتِدْلَالَاتِهِمْ فِيْ مَسَأَلَةِ حُرِّيَّةِ الْاِعْتِقَادِ ، وَاِسْتِدْلَالَاتِهِمْ فَيْ أَمْرِ الْمَرْأَةِ ؛ حِجَابِهَا ، وَسَفَرِهَا ، وَعَمَلِهَا الْمُخْتَلَطِ مَعَ الرِّجَالِ ، وَاِسْتِدْلَالَاتِهِمْ فِيْ إِبَاحَةِ الْمَعَازِفِ ، وَنِسْبَةِ الْمُسْكِرِ الْمُحَرَّم ، وَتَفْسِيْرِهِمْ لِمُصْطَلَحِ : " الْوَسَطِيَّةِ" ، وَ" الْغُلُوِّ" ، وَ" التَّطَرُّفِ" ، … ، وَالْقَائِمَةُ تَطُوْلُ .
اضْعَاف هَيْبَة الْمُعَلِّمِ
تَدريسُ الْعِلْم مِنْ أفْضَلِ الْقُرْبَاتِ وَأَجَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْمُعَلِّمَ مَحَلَّ الْإجْلَالِ وَالْإكْرَامِ، وَأَصْبَحَ الْمُعَلِّمُ فِي هَذِهِ الْأيَّامِ – إِلَّا مَنْ رَحَّمَ رَبِّي- لَا يُوقِرُ فِي مَجَالِسِ عِلْمِهِ، وَفِي صَفِّهِ، وَلَا يُحْسِنُ الإنصات إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ طُلَاَّبِهِ إِذَا تَكَلَّمَ، وَلَا يَمْلِكُ فِي الْأغْلَبِ الدِّفَاعَ عَنْ نَفْسُهُ إِنْ تَعَرَّضَ لِلْاِتِّهَامِ، وَخَرَجَ عَلِيه طُلَاَّبَهُ بِسُوءِ الْأدَبِ وَمَرْذُولِ الْخُلُقِ ؛ فَإِذَا قَلَّتْ هَيْبَةَ الْمُعَلِّمِينَ، وَقَلَّتْ قِيمَتُهُمْ فِي الْمُجْتَمَعِ فَسَوْفَ يَقِلُّ بالتبعِ الْأخْذَ عَنْهُمْ.
اِسْتِحْلَال الْمَعَاصِي
إنَّ مُنْكَرًا عَظِيْمًا، وَذَنْبًا خَطِيْرًا، وَكُفْرًا مُبِيْنًا يَسْتَطِيْرُ فِيْ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ في هذه الأيام، وَهُمْ لَا يَشْعُرُوْنَ، وَهُوَ: " اِسْتِحْلَالُ الْمَعَاصِي، أَوْ تَكْذِيْبُ، وَجَحْدُ حُرْمَتِهَا"، يَؤُزُّهُمْ إِلَى هَذَا الْمُنْكَرِ أَزًّا اِنْغِمَاسُهُمْ فِيْ الشَّهَوَاتِ وَالْمُلْهِيَاتِ؛ الَّتِيْ عَمَّتْ وَطَمَّتْ فِيْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ، وَإظهَار الإعْجَاب بِأهْلِهَا بِوُضوحٍ وَدون مُواراة أو حَيَاء أو خَجَل.
إِلْجَاء النَّاسِ إِلَى إِلْفِ الْبَاطِلِ وَاعْتِيَادِهِ وَاِسْتِمْرَائِهِ
عَنْ طَرِيق: نَشْرُ الْمُنْكَرَاتِ وَإِعْلَانُهَا، وَالْمُجَاهَرَةُ بِهَا عَلَى الْمَلَأِ، وَمُحَارَبَةُ مَنْ يُنْكِرُهَا؛ كَيْ تَعْتَادَهَا الْعُيُوْنُ، وَتَطْمِئِنَّ لَهَا الْقُلُوْبُ، ثُمَّ تُنْتَهَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجَوَارِحِ.
تَخْرِيب وَتَفْكِيكُ الْأُسْرَةِ
تُعَانِي الْإِنْسَانِيَّةُ الْيَوْمَ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِتَأْثِيرٍ كبيرٍ مِنَ الْغَرْبِ، وَأَدَوَاتَه الشَّيْطَانِيَّةَ مِنْ ضَيَاع وَتَفَتُّتِ الْأُسْرَة، وَتَفَتُّتَ أَرْكَانِهَا إِمَّا بِسَبَبِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإبَاحَةِ، وَاِنْعِدَام الضَوُابط فِي مُعَامَلَةِ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ ، وَإِمَّا بِسَبَبِ الْإِفْرَاطِ فِي الشَّهْوَاتِ، وَاِنْعِدَام ضَوَابِط الْغَرَائِزِ الْجِنْسِيَّةِ، اِنْعِدَامًا أَضَاعَ مَلَاَيِين الأطْفَال، وَكَانَ لِاِبْتِذَال الْمَرْأَة دَوْرًا فِي إفْقَادها مَكَانَتِهَا الْأوْلَى فِي إِعْدَادِ وتهيئة الْأُسْرَةَ، وَيَبْدَأُ مُسَلْسَل التَّنَازُلَاتِ فِي الْأُسْرَةِ فِي الْأغْلَبِ مِنْ خِلَالَ الْوَالِدِينَ
فَيَتِمُّ التَّنَازُلُ أَوَلَاً عَنْ قِرَاءةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَبَعْدَهَا تَرْكَ الصَّلَاَةِ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ الْحَال إِلَى أَنَّ يُتْمَ تَرْكِ فَرْضِ الصَّلَاَةِ كُلِّيًّا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَرَاجُع فِي سُلُوك وَاِلْتِزَام وَتَعْلِيمِ أَطْفَالِهِمْ حَتَّى يَغْرَق الْجَمِيع فِي بَحْرٍ مِنَ المعَاصِي
إفْسَادُ الْمَرْأَة الْمُسْلِمَة
لَقَد دَأبَ الغَرب وَأذْنَابه مِمن يَحملون فِكْرهَم، وَيَتَبنونَ أطْرُوحاتهِم وَبِوَسَائلهِم المخْتَلفةِ، عَلى تَصْويرِ المفَاهيمِ الإسلاميَّةِ الخَاصَةِ بالمرأةِ تَصويراً يَحطُّ من قَدرِها، وَيَنتقصُ من صَلاحيتِها، ويشككُ في قدرتهِا على الاسْتِجابةِ لمتطلباتِ الحيَاةِ العصريةِ، ويُحقِّرُ من شَأنهِا، وَيصوِّرُ أن المرأةَ المسلمةَ مهضومةُ الحقوقِ، مهيضةُ الجناحِ!! ليتظاهرَ الإعلامُ بِكلِ قنواتِه، بالدفاعِ عنها وَالبَحثِ عن حقوقِها، وإثارةِ قَضايا مُفتعلةٍ كضرورةِ تَحريرِها مِن القيودِ، وَمُسَاواتهِا بالرجـالِ!! بالإضافة إلى إلقاءِ شُبهاتٍ حَول أحكامٍ إسلاميةٍ مُعينة، تُزْرَع في حِسِ المرأةِ لِتَراها عِبئاً ثَقيلاً، تتمنى الخَلاصَ منه! فَاضْطَلع هَؤلاء بِدورِهم في بناءِ مفهومٍ خَاطئ عَن قَرارِ المرأةِ في بيتِها .
وَنَذكُر هُنَا مِمَّا يَسْمُحُ بِهِ الْمَقَامُ مِنْ أَبْرَزِ وَسَائِلِهِمْ، وَالَّتِي رَكَّزُوا عَلَيْهَا جُهَدَهُمْ، وَأَنْفَقُوا عَلَيْهَا أَمَوَالَهُمْ، وَسَخَّرُوا لَهَا أَمْوَال غَيْرِهِمْ وَوَجَاهَتَهُمْ فِي إفْسَادُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ:
1. إِخْرَاجُ الْمَرْأَةِ مَنْ بَيْتِهَا
صَوَّر الغرب وَأذنابه مِن أبْنَاءِ جِلْدَتنا قَرارَ المرأةِ في بيتِها بِأنهُ أدَاةُ تَعْطِيلٍ؛ لِطَاقاتِ المرأةِ، وَعَزلٍ لَها عَن المجتَمعِ، وَدَعَا أيْضَاً في مَا يُمليهِ عَلى أذْنَابهِ وَزَبَانيته إلى ضَرُورةِ التَّعْليمِ المطْلقِ لِلمرأةِ، وَمنحِها فُرصِ التَّعْليم حَتى في مَجالاتٍ لَا تَتَناسبُ مَع طَبيعتِها الأنثويةِ، وَمن ثَمَّ إيجادُ سَيلٍ هَائلٍ مِن الخريجاتِ اللاَتي يُطَالبن بِفُرَصِ عَملٍ ، وَلم يَتم الاعتراف بدور المرأةُ المتفرغةُ لِشُؤون بَيتِها وَالحدبِ عَلَى أطْفَالهِا، رِعَايةً وَتَعْليماً بكلِّ مَا يُمثلهُ هَذا الدَّورُ المنزليُ، من حُضورٍ فاعلٍ ومؤثر .
2. تَحْرِيرُ الْمَرْأَة مَنْ حُدودِ الدِّينِ
الْعَمَلُ عَلَى تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ مِنْ حُدُودِ الدِّينِ، وَالْحَيَاءِ، وَالْحِشْمَةَ، هَذَا التَّحْرِير الَّتِي يَتَبَنَّى التَّسْوِيق لَهُ- فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ- النَسْوِيُّونَ الشَّهْوَانِيُّونَ ؛ فَتَبَرُّجَ الْمَرْأَةِ وَسُفُورِهَا عَدَا عَنْ كَوْنِهِ دَليلَاً عَلَى ذَهَابِ دِينِهَا، وَفَقَدَ حَيَائها ؛ فَهُوَ فَسَادٌ لَهَا أَيْضًا، وَفِي فَسَادِ الْمَرْأَة فَسَاد الْجِيل، وَفَسَادُ الْأُمَّةِ كُلَّهَا، وَقَدْ جَرَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا مِنَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ، وَالْفَسَاد الْكَبِير، وَالْفَضَائِحَ وَالمخازي، وَالْجَرَائِمَ والمآسي مِمَّا جَعَلَ الْحَيَاة فِي الْبُيُوتِ تَنْقَلِبُ إِلَى شَقَاءٍ وَتَعَاسَةٍ، وَاِنْحِطَاط وَحَقَارَة.
3. حِجَابُ الْمَرْأَة الْمُسْلِمَة
إِنَّ الْبِدَايَةَ مَدْخَلُ النِّهَايَة، وَإِنَّ أَوَّلَ عَقْبَةٍ يَصْطَدِمُ بِهَا دُعَاةُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّذِيلَةِ هِي الْحِجَابُ، فَإِذَا أُسْفَرَنَ النِّسَاءَ عَنْ وُجُوهِهِنَّ حَسَرْنَ عَنْ أبدَانِهِنَّ، وَزَيِنَتْهُنَّ الَّتِي أَمْر الله بِحَجْبِهَا وَسِتْرِهَا عَنِ الرِّجَالِ الْأجَانِبِ عَنْهُنَّ، وَآلت حَالَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْاِنْسِلَاخِ مِنَ الْفَضَائِلِ إِلَى الرَّذَائِلِ، مِنَ الْاِنْحِلَالِ وَالتَّهَتُّكِ وَالْإِبَاحِيَّةِ، كَمَا هِي سَائِدَةٌ فِي جَلِّ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ.
تَسْهيل الحُصُول عَلى المَال الحَرَام
مِمَّا يُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْأيَّام تَسَاهُلَ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي أَكْلِ الْمَالِ الْحَرَامَ، وَمِنْ صُورِ أَكْلِ الْمَالِ الْمُحَرَّمِ: الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَلَعَنَ آكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهُ، وَإِنَّ مِنَ الْجَرَائِمِ الْعَظِيمَةِ وَالْأُمُورِ الْخَطِيرَةِ مَا نُشَاهِدَهُ مِنْ تَسَابُقِ الْبُنُوكِ الرَّبْوِيَّةِ، بِوَضْعِ شَتَّى الطُّرُقِ وَالْحِيَلِ ؛ لِإيقَاعِ النَّاسِ فِي الرِّبَا، وَتَرْغِيبَهُمْ بِهِ بِشَتَّى الْوَسَائِلِ ؛ لِتَزداد أَرَصَدَتْهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْخَبِيثَةِ.
نَشْر النُّكْتَة في المُجْتَمعات
النُّكتَةُ في هَذِهِ الأيَّام انْعَطَفت بِشَكْلٍ خَطِيرٍ ؛ لِهَدمِ قِيَمِ المُجْتَمع ، مِنْ خِلال تَشويهٍ وَاضِحٍ لِصُورَةِ الحَاكِم ، وَالمسْؤُول ، وَالشَّيِخ ، وَعَالم الدِّين ، وَالدُّعَاة ، وَالمُعلِّم ، وَرِجَال الجَيْش وَالأمْن ، وَالزَّوجة ، وَكِبار السِّن ، وَغَيرهم ، وَالتَقليل مِن قِيَمِتهم ، وَالحَطِّ مِن قَدْرِهِم ، وَجَعْلِهم أدَاة للسُّخْرية وَالتندر ، وَالتَّفكُّه في المجالِس ، وَبِالتَالي مَارَست النُّكتة دَورهَا المطْلوب مِنْ أعْدَاء الأمُّة بِقوةٍ في تَفكيكِ المجتَمَعات، وَالنْيِل مِنَ الرَّوابط الاجتمَاعيَّة بَين الأفرَاد .
وَأصبحَ الكثيرُ ممَّن يَتَلَقَى هَذه النُّكت عَلى اختِلافِ مُستَوَياتهم الثقافية، وَالعمريَّة يَقُوم بنِشرها، بِدُون أيِّ وَازعٍ دينيٍ أو خُلُقي، وَتَفَاقم الأمْر بِشِدَّةٍ، وَأصْبَحَ التَّشْكيكُ في الإنْجَازَات الوَطَنيَّة، وَهَدْم القِيَم الاجْتِمَاعيَّة، وَاغْتِيَال الشَّخْصِيَّات المُبرمَج، وَصِنَاعة النمُوذَج السَّيء كَقِدوة، وَالبَحْث عَن السَّعَادة المَزعُومة مِن أهمِّ سِمَات وَمُخرَجات النُّكْتَة.
الْإِدْمَانُ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ
أَصْبَحَتْ مَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ الْأدَاةُ الَّتِي تَحَرُّكِ الْمَشَاعِر وَتَفْرِض الْوَاقِعُ الَّذِي يُرِيدُهُ مَنْ يُتِحْكُمْ بِهَا، وَتَتَحَرَّكَ بِسَبَبِهَا الْأَجْهِزَة وَالْهَيْئَاتِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ الْعَالَمِيَّةِ بَلْ أَصْبَحَتْ صُورَةٌ مُؤَثِّرَة تُبِثُّ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ كَافِيَةً لِتَحْرِيكِ الْجُمُوعِ، وَنَتِيجَة لِهَذَا الْوَاقِعِ الْمرِّ تَنَاقَلَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأيَّامِ – إِلَّا مَنْ رَحَّمَ رَبِّي- عَلَى صَفْحَاتِهِمْ وَهَوَاتِفِهِمْ، وَوَسَائِلَ اِتِّصَالَاتِهِمْ، وَفِيمَا بَيْنَهُمْ، وَبِدُونِ حِسَابٍ لِلْعَوَاقِبِ الشُّرَّعِيَّةِ، وَالْقَانُونِيَّةَ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةَ الْمُقَاطِعَ، والفيديوهات، وَالْكَلِمَاتِ الْمُخْجِلَةِ، وَالْبَعيدَةَ عَنْ شَرَعَ اللهُ، وَدِيَنَّهُ .
الإعْلام الفَاسِد
لَمَّا ترَكنا لِلإعْلَامِ الفَاْسِق الحُريَّة في عَرْضِ مَا يَعْرِضُون ؛ صَاَرَ المشَاهِدُ -تِجَاهَها- لا يَجد غَضَاضَة مِن رُؤيَة طُقُوس الكُفَّار ، وَتَصَرُفاتهم ، وَعَادَاتهم ، وَلا يَجدُون حَرَجَاً مِن رُؤية النِّسَاء مُتَبرجات في تِلْكَ القَنَوات ؛ في أفْلامٍ وَمُسَلْسَلاتٍ ، وَأغاني الحُب وَالغَرَام وَالإثارَة ، فَانعَكَسَت -بِطبيعةِ الحَال- تِلْكَ المشَاهِد وَالصُّور إلى وَاقعٍ طَبِيعيٍ في حَيَاةِ النَّاس ؛ يَألَفُونَه ثُمَّ يُطَبقُونه ؛ فَأصبحَ المنكرُ مَعْرُوفاً وَالمعْرُوف مُنْكَراً .
كَمَا اِنْتَشَرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمَوَاقِعِ، وَالْمَحَطَّاتِ الإخبارية الصَّفْرَاءَ المأجُورة الْمَلِيئةَ بِالتَّحْلِيلَاتِ الصَّحَفِيَّةِ الرَّخِيصَةِ، وَنَشِرِ الْأَخْبَارَ الْمُلَفَّقَةَ عَنِ الْأَوْضَاعِ السِّيَاسِيَّةِ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالْاِقْتِصَادِيَّةِ ؛ لِتَأْجِيجِ الْعَوَاطِفِ، وَتَهْيِيجَ النُّفُوسِ، واشغال النَّاسَ.
جَنَّبَنَا اللهُ وَأَوْلَادَنَا وَأَهْلِيْنَا وَجَمِيْعَ الْمُسْلِمِيْنَ شَرَّ الْمُنَافِقِيْنَ الْأَعْدَاءِ، وَالْمُتَرَبِّصِيْنَ الْبُغَضَاءِ، وَحَمَانَا مِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
وَلْيَعْذُرُنِي مَنْ وَقْفَ عَلَى زَلَّاتِي في هَذا المقَال ، فَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَخْطَأَتْ فَهُوَ مَنِّي وَحَسَبِي أَنَّنِي بَذَلَتْ جَهْدِي، وَإِنَّ كُنْتُ قَدْ أَصَبْتُ فَهَذَا تَوْفِيقٌ مِنْ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
د.مُنْذِر عَبْدِ الْكَرِيم الْقُضَاة