13-10-2019 06:55 PM
بقلم : نشأت الحلبي
منذ أن ولجت عالم السوشال ميديا وتحديدا الفيسبوك الذي يعد الأوسع إنتشارا في بلدي "الأردن"، كنت قد عقدت العزم على أن تكون هذه منصبة إعلامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فليست هذه صفحة خاصة لي، بل هي صفحة للخبر والمعلومة والتحليل والرأي والرأي الآخر، أتبادل فيها مع الأصدقاء المعرفة، ونخوض فيها النقاشات بكل أشكالها وألوانها، فأنا في الأساس صحفي، ومشتبك مع هذه المهنة التي هي في الأصل ضمير الناس، كما تعلمت معناها، عبر سنوات طوال من العمل، فكان لي جزء كبير من "المرمطة" فيها، سمعت كلاما أمر من "السم" من مسؤولين، تم توقيفي وتكلبشت وتنقلت بالزنزانة "المتنقلة" وعرفت معنى ان تحجز حريتك، وكل هذا زادني، كما زملاء كثر مثلي، إصرارا على إصرار حتى نمضي قدما في تقديم رسالتنا وحمل هم المواطن وقضاياه الى الفضاء الواسع لا سيما في تلك الايام التي لم يكن بها أساسا موبايل ولا إنترنت ولا سوشال ميديا، فكنا بالحبر والورق فقط نقاتل، وأحيانا نذهب لتوزيع الصحيفة ومجانا على كثير من الناس حتى يقرأوا ما نكتب وما نحمل من قضايا.
تطورت الدنيا، وتطورت الصحافة، وكنا الأسعد بأننا أصبحنا قادرين على أن نكون في حالة اشتباك ايجابي مع الناس، فنحن الان نستطيع أن نوصل لهم المعلومة في ثوان معدودوات، وفوق هذا، فإننا قادرون على ان نتحاور معهم مباشرة عبر الشبكة العنقودية، وزيادة على هذا، فقد أصبحنا أكثر قدرة على الوصول الى المسؤول الذي طالما كان يهرب منا ونتبعه الى كل مكان، فبفضل مجموعات الواتس أب التي شكلها اعلاميون مميزون وضموا اليها العديد من المسؤولين وفي كل المواقع، أصبحنا على تماس مباشر مع المعلومة، ومع موقف الحكومة بكل مؤسساتها وفي أي قضية، بل تخطينا هذا الامر أحيانا كثيرة الى نلتقي المسؤول وجها لوجه ونحصل منه على ما نريد لننقل للناس ما يريدون.
إذن، فنحن، معشر الصحفيين، سخرنا ما استطعنا عالم التواصل الجديد لخدمة قضايانا الصحفية التي هي في الاساس قضايا الناس، فلم نتواصل مع مسؤول لتحقيق مكسب شخصي، ولم نقم بزيارة لنستعرض أمام هذا المسؤول أو ذاك حتى نسوق أنفسنا ونتحصل على مكاسب، وإن وجد في بعض المجموعات مثل هؤلاء، فبالضرورة هم ليسو نحن، فرسالتنا دائما مختلفة جراء تركيبتنا وتربيتنا في بيت المهنة "بلاط صاحبة الجلالة"، ولعل هذا ما يفسر أيضا، وفي كثير من الأحيان محاولة تجنب مسؤولين لنا حتى لا يقعوا في الحرج من هذا السؤال أو ذاك، ولا أبالغ إن قلت أنني أكتشفت أن بعض المسؤولين كانوا يجهزون إجابات لأسئلة محتملة حملها صحفيون، وهذا ما لمسته وشاهدته بأم عيني، فالمسؤول يعلم أن الصحفي يريد معلومة وموقف، وأحيانا يحاسب المسؤول بكل جرأة و"أدب" مترفعا على المكسب الشخصي.
ما هالني، وكثير غيري من الصحفيين، حجم تلك الهجمة التي نتعرض لها بين حين وآخر اذا ما نشرنا مجرد صورة مع مسؤول حتى لو كانت مشفوعة بخبر أو تقرير أو سرد لحوار ما جرى بيننا وبينه، فليست الصورة هي المغزى وهي الهدف، وإن نشرت بعضا من أرشيفي من صور مع مسؤولين، فلربما يتم تعليق مشنقتي من قبل البعض دون أن يعلموا مناسبة تلك الصور مثلا، وهذا قبل زمن السوشال ميديا، فمنها ما كان بمقابلة صحفية، ومنها ما كان في تقرير ما، ومنها ما كان تغطية لحدث ما، فكيف تكون صورة سببا لشيطنتنا واتهامنا بالبحث عن مناصب أو امتيازات أو غيره، وحتى الآن، ولأننا ومنذ زمن بعيد لم نبحث عن شيئ من هذا، فما زلنا على حالنا، ماديا ووظيفيا، بل ان الكثير منا، ومن ذلك الزمن، عاطلون عن العمل؟!
لا أخفي أنني وبعض زملائي أصبنا بحالة من الاحباط، ومنا من فكر بجد ان ينسحب من هذا العالم "الإفتراضي" لنذهب ونبحث عن مصالحنا في العالم "الواقعي"، لكن، وبوجود الكثير من شعبنا الطيب المعطاء والواقف دائما مع صوت الحق الذي يميزه عن غيره، لربما تراجعنا، بل وأصبحنا أكثر إصرارا على متابعة الأمانة في حمل رسالتنا الصحفية، وأن نستغل هذه الاجواء من الانفتاح والتواصل مع المواطن والمسؤول، حتى نبقى الوسيط النزيه الذي يوصل صوت الناس، ويدافع عن آرائهم، وعن أرزاقهم، وعن حقوقهم، وعن الوطن كله.
دمتم جميعا أصدقاء محبين، ومحط المحبة دائما .. فحقوقكم دائما هي الهدف الذي نقاتل من أجله، ليس إلا.