03-05-2019 05:51 PM
بقلم :
أطلق سمو ولي العهد مبادرة ( ض ) لإحياء مكانة اللغة العربية .
فأعادت المبادرة ذاكرتي إلى عشر سنوات مضت حيث كنت متدرباً في وزارة الخارجيّة / الدائرة القانونية و كان سفيرنا الحاليّ في جنوب إفريقيا " إبراهيم العواوده " مديراً لمديرية حقوق الإنسان و كذلك الدائرة القانونية بالوكالة .
و كان أصعب الواجبات اليوميّة توقيعُ مذكرة من سعادته دون أن يطلب تعديلاتٍ نحويّةٍ أو إضافة عباراتٍ ترقى بها إلى المستوى الدبلوماسيّ ، ما شكّل لي الحافز للنجاح في الإختبار اليوميّ ، و عكفت وقتها على مراجعة قواعد النحو و الصّرف و مستزيداً من النّثر و الأدب كي أكون على قدر المسؤوليّة فأنالَ الثّناء على الأداء و أتجنّب النّقد و العناء .
و في خِضمّ مطالعاتي ، إستوقفني القول المأثور عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه " تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُنْبِتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ " ، و هذه حقيقة ، فالعربيّةُ رافعةٌ للفكر و ميزانٌ للأدب و مدعاةٌ للثّقة و حُسن التعبير ، و بعد ذلك بقليل بدأت رحلتي مع الكتابة .
و لأنّها هويّةٌ و سلاح ، كانت اللُّغة أوّل ما يفرضه المستعمر على مناطق نفوذه ، و لأنّها بوّابة الثقافة ، أرّخَت سِيَرِ الأوّلين من العلماء دراستهم للُّغة أوّلاً ثمّ الإنطلاق نحو بحور المعرفة ، و من الجدير بالعلم أنّ كثيراً منهم لم يكونوا عرباً لكنّهم إنطلقوا من العربية نحو التميُّز و الإبداعات الخالدة .
إنّ المزاج التناحريّ المسيطر على كثيرٍ من منصّاتنا يحتاج إلى تشذيبٍ و إبرازٍ للمروءة التي جُبِلَ عليها هذا الشعب الطيب المضياف الكريم و عُرِفَت عنه ، و هذه شهادات من عرفوه داخل بلادنا و خارجها ، لكنها قد لا تتطابق مع شهادة من يطالع الكثير من تعليقاتنا و منشوراتنا بكلّ أسف ، فاللّغة القويمة عنوانٌ لشخصيّة صاحبها ما ينعكس على أدب سلوكه و نقاشه ، سيرته و مسيرته في العالمين الواقعيّ و الإفتراضيّ .
و كما قال الشاعر زهير بن أبي سلمى
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُـؤَادُهُ ... فَلَمْ يَبْـقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالـدَّمِ
فكُلُّ إناءٍ بما فيه ينضح ، و طالما أنّنا إستحقّينا و عن جدارةٍ و إجماع لقب - النشامى - حريٌّ بنا أن نتسلح بجوامع الكلم مرآةً لنا ، لجودنا و جميلنا ، لكرمنا و كرامتنا .
و عليه ، سيكون لمبادرة سموّ ولي العهد - إن وجدت لها الروافع و المحفزات من كلّ الجهات المعنيّة بمسيرتيّ التعليم و الثقافة - بالغ الأثر في بناء جيلٍ كاملٍ سلاحه المعرفة و المروءة و قبول الآخر ، بأدبٍ جمّ و إنفتاحٍ على العالم ، حينئذٍ ؛ سيـُشبهنا خطابنا أكثر و سيعكس صورتنا الأردنية العربيّة الزكيّة ، النقية و الغنيّة .
إحياء اللُّغة أساسٌ جامع ، و فرصةٌ ثمينةٌ إن أحسنّا إستغلالها .