03-03-2019 03:21 PM
بقلم : المهندس عادل بصبوص
يعاني سوق العقار منذ أربعة أعوام من تراجع مستمر يلقي بظلاله السلبية على مختلف القطاعات الإقتصادية، حيث تعتبر مؤشرات القطاع دليلا هاماً على مدى عافية الإقتصاد في بلد تضيق فيه خيارات الإستثمار، ويصبح شراء قطعة أرض أو شقة سكنية هي الملاذ الآمن "لتحويشة العمر" أو مجالاً لإستثمار وتنمية مدخرات سنوات الإغتراب، إضافة إلى أن إمتلاك بيت أو شقة سكنية في الثقافة المحلية الأردنية لا يعتبر مجرد تلبية لحاجة أساسية فقط، وإنما يمثل أيضا قيمة عالية ومصدراً للشعور بالأمن والإستقرار.
يظهر بشكل جلي مدى التراجع في نشاط القطاع العقاري من خلال إستعراض مؤشرات الطلب Demand Indictors المتمثلة بحجم التداول العقاري والذي يمثل القيمة التقديرية لإجمالي العقارات المباعة حسب تقديرات دائرة الاراضي والمساحة، كما يظهر أيضاً من خلال تحليل مؤشرات العرض Supply Indictors المتمثلة بإجمالي المساحات المرخصة للمباني السكنية وغير السكنية المقترح إنشاؤها إستنادا إلى بيانات دائرة الإحصاءات العامة.
سجلت حركة بيع العقارات مستوى قياسيا عام 2014 حيث بلغ حجم التداول العقاري (7.76) مليار دينار، لتبدأ بعدها مسيرة التراجع في عام 2015 عندما بلغ حجم التداول العقاري في نهاية العام (7.61) مليار دينار بإنخفاض طفيف نسبته (2%) فقط، ثم يستمر التراجع بوتيرة أعلى في الأعوام 2016 و 2017 و 2018 لتبلغ قيمة المؤشر (7.06) و (6.06) و (5.26) مليار دينار على التوالي، حيث بلغ حجم التراجع في عام 2018 مقارنة بعام 2014 حوالي (2.5) مليار دينار بنسبة تراجع إجمالية مقدارها (32%) خلال فترة ثلاث سنوات فقط.
يعكس مؤشر مساحات الأبنية المرخصة، حركة الإستثمار في قطاع الإنشاءات، وهو أحد القطاعات الإقتصادية المهمة في الأردن، وذلك لتوفيره الآلاف من فرص العمل ولتشغيله العديد من القطاعات الإقتصادية المساندة.
إستنادا إلى بيانات دائرة الإحصاءات العامة فقد إنخفض إجمالي مساحات الأبنية السكنية وغير السكنية المرخصة عام 2018 إلى حوالي (10.9) مليون متر مربع مقارنة بحوالي (13.9) مليون متر مربع تم ترخيصها خلال عام 2017 بنسبة تراجع مقدارها (21.5%).
ترتبط مساحات الأبنية المرخصة وخاصة للأغراض السكنية بتلبية الحاجة إلى السكن وهي حاجة ملحة وأساسية، ويفترض أن يزداد الطلب عليها بشكل مضطرد نتيجة التزايد المستمر في عدد السكان، إلا أن الملاحظ أن المساحات المرخصة في عام 2018 تعادل تقريبا المساحات التي تم ترخيصها خلال عام 2010 أي قبل تسع سنوات برغم الزيادة الكبيرة التي حصلت في عدد السكان، وهي النتيجة ذاتها التي عكستها بيانات حجم التداول العقاري خلال نفس الفترة، حيث سجل عام 2018 حجم تداول عقاري يقل بشكل واضح عن حجم التداول المسجل عام 2010.
من الواضح أن حركة التراجع في السوق العقاري مرشحة للإستمرار أيضا خلال عام 2019، بدلالة المؤشرات التي بدأت تظهر تباعاً، فقد بين تقرير دائرة الاراضي والمساحة أن حجم التداول العقاري قد إنخفض في شهر كانون ثاني من عام 2019 إلى 345 مليون دينار مقارنة مع 453 مليون دينار للشهر ذاته من عام 2018، إضافة إلى أن أياً من المعطيات والعوامل الرئيسة المتصلة بهذا القطاع لم يتغير، فلا تغيير جوهري في السياسات الحكومية ذات الصلة، حتى أن بعض الإجراءات التي إتخذتها الحكومة مؤخرا بهدف تحريك القطاع والتي منها السماح لحملة جوازات السفر المؤقتة بشراء وتملك العقارات، ومنح حوافز للمستثمرين غير الأردنيين تتعلق بالحصول على الجنسية في حال تملك أبنية وعقارات، لم تفلح في تحريك سوق العقار الراكدة، ذلك أن الموضوع يتصل بمجمل الأوضاع الإقتصادية السائدة في المملكة وفي المنطقة برمتها، ويرتبط بشكل مباشر بالقدرة الشرائية للمواطنين التي سجلت تراجعات مستمرة نتيجة إزدياد معدلات البطالة وعودة المغتربين، ولا ننسى في هذا المجال الآثار السلبية لأنظمة البناء المتشددة التي تعتبر في نظر الكثيرين ضارة وطاردة للإستثمار .
يعتقد الكثير من المحللين ان تراجع حركة العقار ما هو إلا حركة تصحيحية يعود بموجبها السوق إلى وضعه الإعتيادي بعد أن شهد فورات وفقاعات بعضها مصطنع والآخر مؤقت ومرتبط بتدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى المملكة، وقد يكون في ذلك بعض الصحة، إلا أن الثابت أيضا أن هناك تراجع فعلي في الطلب الحقيقي بسبب الإرتفاعات الكبيرة في أسعار الشقق والاراضي السكنية إلى مستويات تفوق كثيرا القدرات المالية لشرائح واسعة من المواطنين.
إن الغالبية العظمى من التحليلات حول حركة سوق العقار تتم من خلال المقارنات النسبية بالمعدلات المسجلة في السنوات السابقة، وحتى تكتمل الصورة وتكون الاستنتاجات أكثر صحة ومنطقية، هناك حاجة للخروج بقيم تقديرية عن حجم التداول العقاري المنطقي في السوق الاردني، بحيث يشكل ذلك نقطة قياس مرجعية يمثل الانحراف عنها ظاهرة تستوجب التدخل والمعالجة.