11-02-2019 11:05 AM
بقلم : زهور السعودي
قد ينزعج البعض من سؤال يدور الان في خلد الأغلبية، لكنه سؤال مشروع ويبدو ملحاً..
لماذا إصطحب العريني أطفاله معه؟ وهل هذا الإصطحاب جاء كنوع من كسب الشفقة أمام ثورة الإستغراب التي إجتاحت منصات التواصل الإجتماعي جراء رؤية منظر الأطفال وهم يمشون أو نيام بالعراء؟.
الجواب حتماً لا، فهناك حقيقة غائبة عن الجميع، أولها أننا نعيش في بلد الأمن والأمان، بلد مليكه هاشمي أصيل .. لذا، لا أحد يلوم العريني ولا اطفاله من هكذا قرار .. وحتى العريني نفسه عارض في البداية فكرة مشاركة أولاده له، وأبى على نفسه ذلك، لكن مما لا تعرفه الأغلبية عن الدكتور فلاح هو أنه شخص مريض وسبق أن تعرض لوعكات صحية ليست بسيطة.
ومن الطبيعي أن يكون أولاده اكثر الناس خوفاً عليه الذين أبوا إلا أن يشاركوه قراره ولو عنوة والا لن يسمحوا له السير على الدرب .
كأنهم قالوا له، نحن معك، إن نجحنا وإنتصرنا لحقنا، فإننا نكون قد أسعدناك وسعدنا معك ورددنا لك بعضاً من جميلك، المهم أن لا تبتعد عن عيوننا، .. وهكذا تم إتخاذ القرار وحسم الأمر، وبعيداً عن قرار ورأي إتخذه العريني، سواء كان موقفنا بالسلب أو بالإيجاب، فنحن وبعد إنتهاء فعاليات اليوم الأول واليوم الثاني، وحيث يبدو أنه سيكون هناك يوم ثالث على التالي .
فقد جرت قصص وحكايات وستظل تجري ... ولا أخفيكم، فمنها مراوغات ونهفات نجوانية لتسلق سلم الحقيقة، ومنها مواقف حمية لا تصدر إلا من شرفاء ... ومنها فرقعات تختفي حالما يلمسها الهواء لأن أصحابها أهل فراغ مطقع ... وتبقى قصة العريني قصة فريدة، قصة لم يسبقه عليها أحد، هي ليست قصة عادية بإن يتم إتخاذ قرار بالمسير فقط، لكنها قصة بدأت من فكرة تولدت نتيجة صراع نفسي وتفكير طويل وترتيب لتحقيق حلم عفوي، مدارس فكرية عديدة ادلت برأيها، بعضها نابع عن نخوة وأصالة وبعضها عن انتقاد، وبعضها توعوي، والبعض قام بدور المتفرج، وبالرغم من كل هذه الأمور يبقى هناك متصيدون في الماء العكر... ربما لأن قصة العريني أفزعتهم وجعلتهم يفتقدون أحلام رغد العيش، بمعنى، أنها أيقظت فيهم احلامهم، وسيبقى هناك من يدق بأذنيه دبابيس موجعة توخز نومه .. ويحاول طرح تساؤله بهدف تشتيت ما بدا وكأنها بوادر نجاح لرحلة العريني واولاده، ولكن، هيهات أن يشتتوا فينا ما تحقق ... صدقوني، لقد قالتها شعوب من قبل ذلك، نحن أذكى مما يظن المتشككون.. ولا استغرب لو سمعنا غداً أو بعد غد نكتة أو طرفة هزو عن قصة مسيرة هذا الرجل وأولاده .. فالثورة الفرنسية نفسها وقبل أن تدب فيها الحياة، عاش أهلها على الهزلية البحتة، لأنه من شبع هزلاً صار جَداً .. ارجوكم، لا يتذاكى أحد على شعب يمدنا بالحياة .. وإحذروا، أن يسحب أحد منا على غفلة، قصة هذا النجاح، وإن كان سابق لأونه إعلانه رسمياً.. واقسم لكم، أننا شعب يريد الحياة ونصبر على مآسيها، لكن ليس للأبد .. لذا، ربما كلمتي اليوم تكون نصيحة، لأن قصة العريني لم تعد قصة دكتور جامعي يبحث عن وظيفة، بل هي رمز لقصة شعب أنهكه الفساد وعاث فيه خراباً .. قصة جيل يريد أن يكبر على وطن جميل، أن يرسم تاريخه بنفسه، بشدة، بقوة صبر وجلد، بقدرة فائقة على تحمل ما لا يمكن تحمله ..
إن طيف العريني موجود في كل بيت من بيوتنا، حلم الوظيفة أو فرصة العمل الشريف، إنها البطالة والمأساة الكبرى بل الهاجس الذي يعانيه كل خريج أو مقبل على الزواج أو طالب علم، حتى الموظف براتبه الشحيح لم يعد يجد ما يكفي رمقه وطعم بدوره أطفاله الجياع.. . والعريني يمثل إحدى هذه القصص، قصة أم دفعت كل عمرها لتربي طفلها الوحيد بما تستطيع من سبل الحياة المتاحة، لتكتشف ام فلاح وهي في شيخوختها الصالحة الان، أطال الله في عمرها، أنها ربما فعلت كل ما عليها، لكن لم تتوقع أن كل ذلك تم في ظل دولة لا تحترم إبداعات مواطنيها .. ولا إنكبابهم على التحصيل العلمي، وبدل من أن تعطي هذه الفئة حقوقها، قامت وإعتدت على حقهم بالعمل حتى وصلوا إلى ما وصل إليه العريني الآن.
بإختصار، قصة مسير العريني، لفت بيوتنا عاجلاَ أم آجلاَ، سيخلدها التاريخ، ستذكرها الأجيال القادمة، وستصبح قصة المسير قصتي وقصتك وقصة كل واحد فينا نحن المواطنين، ولن تبقى قصة العريني وحده ... لك الله يا وطني.