13-10-2018 03:45 PM
الفساد لا يحارب بأيادي فاسدة، ففاقد الشيء لا يعطيه، فالفاسدون عليهم اولا أن يغادروا مواقعهم القيادية والادارية، ومن يخشى مواجهة الفاسدين عليه أيضا أن يغادر موقعه، ومن يتحصن خلف اسوار الفاسدين فعليه أن يدرك أن الأيام قادمة لهدم وتدمير هذه التحصينات، فموجة الاستياء الشعبي ضد الفساد والفاسدين في تصاعد مستمر، واباطرة الفساد متوغلين في بعض مؤسسات الدولة، وهم الخصم والحكم، والوقت ليس في صالح الحكومة، لذا بات الاصلاح الجذري والتغيير مطلبا ملحا وسريعا، على ان يصاحبه اختيار أشخاص في المواقع الإدارية والقيادية على قدر كبير من الأمانة والاخلاص، ويشهد لهم بالنزاهة ونظافة اليد، وعدم اغلاق الملفات او المماطلة في اتخاذ الإجراءات بشأنها لأن ذلك من شأنه أن يعزز هذه الثقافة في المجتمع، ويعمل على خلخلة وتلف النسيج الاجتماعي واضعاف القيم والاخلاق، وإثارة الفتن والمحن، ويعيق التنمية الاقتصادية، ويقوض الشرعية السياسية، وهو يضرب جذوره في صميم مفهوم المواطنة، ويوسع من ظاهرتي الفقر والبطالة، ويزيد من الاحتقان والتعصب كرد فعل لعدم تكافؤ الفرص.
ان من متطلبات المرحلة القادمة القيام بتغييرات جذرية في كل أجهزة الدولة الرسمية المعنية بمكافحة الفساد، لا يمكن أن تبقى الأمور متروكة للصدفة في كشف مواطن الخلل والفساد، وبما أن الكثير من قضايا الفساد اكتشفت بالصدفة رغم مرور وقت طويل على استمرارية حدوثها مما يؤشرالى ضعف الأجهزة المعنية، ويثير الشكوك حول ادائها، ويؤشر ايضا على ضعف إجراءات المحاسبة، والترهل الاداري، والاحتكام للروتين في تنفيذ الواجبات والمهام.
في القضايا التي حدثت مؤخرا لم تكن تلك القضايا من النوع المعقد، ولم تكن فيها استخدام للتقنيات الحديثة ولا تحتاج إلى عقول ومهارات كبيرة لاكتشافها، وإزالة اللثام عنها، ولم تكن ابرة صغيرة بحاجة الى البحث عنها بين كومة من القش، انها حدثت على مرأى من كل أجهزة الدولة المعنية بمكافحة الفساد، وعلى مسافة قريبة جدا منها، اين دور الأجهزة الاستخبارية والأمنية المعنية بالجريمة، اين دور الجهاز الاداري، وهل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد هي الجهة الوحيدة المعنية بالبحث عن الفساد المالي والإداري بكافة أشكاله، وهل تمتلك من المقومات البشرية والمادية ما يمكنها من القيام بهذا الواجب وحيدة، أم أنها تعمل بالتعاون والتنسيق مع كافة الوزارات والأجهزة والمؤسسات الحكومية.
ان مكافحة الفساد ليست مسؤولية الجهات الرقابية وحسب، وانما مسؤولية المجتمع بكامل مؤسساته ومكوناته واجهزته، اليس الفساد جريمة كبرى يعاقب عليها القانون وتدخل ضمن اختصاصات كل اجهزة الدولة، لماذا نضع المواطن في مواجهة الفاسدين، الا يدل اكتشاف المواطن لمواطن الخلل والفساد على ضعف هذه الاجهزة التي بات عملها روتينيا ضعيفا هزيلا، وهل يمتلك المواطن من الأدوات ما يمكنه من اكتشاف هذه الجرائم، وهل هو مخول قانونا البحث عنها وجمع المعلومات حولها واستقصائها، وهل باستطاعتهطلب البيانات والسجلات واستجواب الموظفين وتفتيشهم، أنها مهمة كل أجهزة الدولة واداراتها المعنية والمكلفة قانونا، والتي لا تقل مسؤوليتها عند اكتشاف جريمة من هذا النوع عن مسؤولية مرتكبيها، اليس من المفروض أن يكون عملها ممنهجا مخططا، والا كيف يتقاضى المئات من الموظفين في كثير من المؤسسات رواتب دون أن يعملوا، وليس ما حدث في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون قبل سنوات ببعيد، والأمر يتكرر اليوم في مواقع اخرى، اين أجهزة الرقابة والتفتيش، اين الادارات، وكيف يعمل مصنع للمخدرات لعدة اشهر او لسنوات دون أن يتم اكتشافه، ومصانع أخرى تدار بالات ومعدات ثقيلة وبأحياء سكنية يمر بجانبها ويسكن العشرات من موظفي الدولة ورجال الاجهزة الامنية والرقابية، اليس هذا مؤشرا خطيرا على وجود خلل ما في أداء هذه الاجهزة.
كيف يمكن للمرحلة القادمة إن يكون عنوانها هيبة الدولة ومكافحة الفساد، والفساد يستشري ويزداد يوما بعد يوم، والجريمة في تصاعد، ولا نرى إجراءات رادعة على أرض الواقع إلا طبطبة ولملمة الامور،او تلك النهايات الضبابية الغامضة لكثير من القضايا، اليس الفساد اكبر مهدد لكيان الدولة وهيبتها، ولا يمكن تبرئة اي من أجهزة الدولة مما يحدث ويجري، الكل مسؤول، والكثير متورط، والبعض متخاذل في كشف مواطن الفساد.
الفساد لا ينحصر في الفساد المالي وحسب، هناك فساد خفي مقنع اخطر تمارسه اجهزة الدولة الرسمية، فالفساد يتدرجفي خطورته من الفساد في التوظيف والتعيين على أساس الواسطة والمحسوبية، الى الفساد في إنهاء الخدمات والاحالات على التقاعد والتنقلات ومنح الامتيازات والترقيات، مرورا بالقبول في الجامعات، والتعيين في المناصب القيادية العليا، واحالة العطاءات، وعقود البيع والشراء، والفساد في المؤسسات الأهلية والخاصة والشركات، وليست معظم شركاتنا الوطنية الخاسرة في سوق عمان المالي الا اكبر دليل على الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، وما يجري من تسويات مالية مع الفاسدين سارقي المال الا شكل آخر من أشكال الفساد، بحيث تفضي التسويات الى استرداد اليسير من المال المسروق، في حين تكون الشركات قد تكبدت خسائر اكبر بكثير مما تم استرداده طوال فترة التسويات التي تستمر لسنوات، ويفلت الجاني من العقاب بالكثير من المال، ويدخل في ذات السياق الفساد المالي العابر للحدود، كالرشاوي التي تدفع للحصول على عقود الامتياز و الاستثمار، وغالبا ما يكون شركاء محليين في مثل هذه الجرائم يجب التركيز عليهم ومراقبتهم ومحاسبتهم.
يبدو واضحا أن ما يجري من تغييرات وما يتخذ من إجراءاتلا يتوافق بعد ولا يلبي رغبة القيادة، ولا يلامس طموحات المواطنين وتوقعاتهم، وكأننا نعيش حالة عناد بين الحكومة والمواطنين، أو محاولة فرض الأمر الواقع رضي من رضي وأبى من ابى، على طريقة الذي لا يعجبه يضرب رأسه بالحيط، ما هكذا تورد الإبل، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك والمواطن يسمع ويرى، ويرتقب وينتظر.
حمى الله الاردن ملكا وشعبا من كل مكروه أو سوء، واسبغ عليه من نعمه وفضله .