بقلم :

يحاول المرء في هذه المرحلة من حياة مجتمعنا أن يجمع أوراقه المبعثرة هنا وهناك بحثا عن رابط يربطها ، فلا يتمكن من ذلك ، فقد تناثرت الأوراق بطريقة من الصعوبة بمكان جمعها لشدة تناقضها وتطايرها وبعثرتها ، وربما يكون حال أوراق مجتمعنا كحال أوراق الشجر في الخريف حين تتساقط في موسم تكثر فيه الريح التي تحرك الأغصان والأشجار لتذهب بها بعيدا .
فحالة العبث التي تعيشها مجتمعاتنا العربية هي نتاج صناعة العبث التي ساهمنا فيها جميعا بأفكارنا وسلوكنا ، فكل النخب الثقافية، والفكرية، والسياسية والإعلامية ،والدينية، والفنية، والاجتماعية، والاقتصادية تسهم في حالة العبث التي نعيش فصولها "فكل يغني على ليلاه " "وكل فتاة بابيها معجبة " وقد حار الفكر في طريقة جمع هذا الشتات المتناثر من الأفكار والمبادئ والمصالح والمتناقضات ، فكأننا ينطبق علينا المثل القائل" طبيخ شحادين " .
فقد فرقتنا السياسة وتمزقنا كل ممزق بهوى السياسيين ومصالحهم "فكل حزب بما لديهم فرحون" وفتتت الديمقراطية المفتت منا ، وقسمت المقسم ، بسوء فهمنا لها ، بالأنانية المفرطة التي نشأنا عليها ، ولم نأخذ منها سوى قشور الانتخابات التي فرغت من مضمونها ، ونرى نتائجها الاجتماعية في تمزيق ما بقي من علاقات بين أفراد المجتمع، أما النخب الاقتصادية فهي لا تفكر بغير حسابات الربح والخسارة ومصالحها بغض النظر عن مصالح المجتمع مما زاد من الفجوة بين فئات المجتمع .
وفي المجال الاجتماعي فقد أصاب النسيج الاجتماعي كل ألوان التلف بدليل نسبة الجريمة والإدمان ، وارتفاع حالات الطلاق ، والتحاسد والتباغض والتقاتل بكل صوره ، ولا ننس دور الإعلام في عملية صناعة العبث في الجسم العربي ، فمن يقف صناعة العبث في عالمنا ؟ .