حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,14 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 50495

( ضاع الخيط .. طار العصفور ) !!

( ضاع الخيط .. طار العصفور ) !!

( ضاع الخيط  ..  طار العصفور ) !!

25-04-2016 03:47 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عصمت حداد
ذات يومٍ .. إشترى رجلٌ لإبنهِ عُصفوراً صغيراً ، فرح به الصبيُّ فرحاً عظيماً ، ومن شِدَّةِ الفرح .. وضعهُ في راحةِ يدهِ ، وما لبثَ أنْ فرَّ العُصفورُ وطارْ ، فبكى الصغيرُ .. وشكى ما حَدَثَ لأبيه ، وعندها .. ذهبَ الرجلُ واشترى لإبنه عصفوراً آخرْ ، وخوفاً عليه من الفرار .. ربطَ الرجلُ العصفورَ بخيطٍ قوي ومتين ، ثم قال لإبنه : " يا بني .. امسك الخيط بيدك بقوةٍ ؛ حتى لا يطير العصفورُ منك "، فرح الصغير بالعصفور الجديد .. ووضعه في راحة يده مرة ثانية ، ونسيَ أن يمسك بطرف الخيطِ - كما أوصاه أبوه - فطار العصفورُ .. وأخذ معه الخيط المربوطَ برجلِه ، فصرخَ الصبي : " يا أبي راح العصفور!.. طار " ، فقال الأب : " يا بني .. امسك الخيط .. كما أوصيتك " ، فقال الصبي وهو يبكي : " يا أبي .. طار الخيط والعصفور ".

تذكرتُ هذه القصةَ .. عندما سمعتُ تصريحَ الحكومةِ الذي نزل - على رؤوسِ الفقراء والمساكين والمقهورين والمظلومين والمتعبين - نزولَ الصاعقهْ ، فكلُّ الضمائرِ الحيةِ .. تكاد تتمزقْ ، وكلُّ القلوبِ النقيةِ .. تكاد تنفجرْ ، ذلكَ عندما أعلنتْ تحت قبة البرلمانِ .. وأمام نواب الشعبِ : أنه لا يوجد فساد منذ أكثر من خمس سنوات .. ولا يوجد أيَّةَ قضيةِ فسادٍ موجودةْ ، كلماتٌ كانت كوقْعِ السَّيفِ على مسامع المواطنِ الأردنيِّ .. كلماتٌ صدمتْ عقولنا جميعاً.

ولكن دعونا نَتحدث بهدوء اليوم ، ونفكر بطريقة موضوعيةٍ .. ونحن أمام هذه التصريحات ، دعونا نتساءلُ بلغةٍ بريئةٍ خالصةٍ لوجه هذا الوطن الذي أنعم علينا بكل روافد الخير ، فرددنا نعمته بكل مستنقعات الفساد ، والضياع والخيانة والحقد ، دعونا نتكلم بلغة الأطفال الذين لم يعرفوا السياسية ، ولم يدخلوا إلى أنفاقها ، ونقول : متى حدث ذلك وكيف ؟! ، تقاريرُ منظمةِ الشفافيةِ العالميةِ .. كيف جاءت بها في السنوات الأخيرهْ ؟! ، الحكومة تحارب الفسادَ.. والمواطنونَ يحاربون الفساد..! فمن هم الفاسدون إذاً ؟!!! ، هيئة مكافحة الفسادِ .. ما علاقتها بمكافحة الفساد ؟! ماذا تفعل وماذا فعلت؟! هل شعر المواطنُ .. بأنّ حجم الفساد تقلّص؟! ، هؤلاء الفاسدونْ.. من أيّ كوكبٍ هبطوا ؟! بكل تأكيدٍ .. إنّهم لم يأتوا من المريخ على شكلِ كائناتٍ خضراءَ .. وإنما هم أشجارٌ نمت .. بمائنا وبهوائنا وشمسنا .

نحن لا نحتاج هذه التصريحات وهذا الهراء ، ولا نحتاج إلى محللٍ أو خبيرٍ اقتصاديٍّ .. ليكشف لنا حجم أزمتنا المالية والاقتصادية ، أزمتنا .. جراء " سياسات غير رشيدة ".. ونهبِ وإسرافِ متعمدين ، لكننا نحتاج إلى قرارات شجاعةٍ من الحكومة ومجلس النواب .. أمام الصورة الحقيقيةِ ، وبكل شفافيةٍ كما يقولون ، ومحاسبة المقصر ، نحن نريد مَنْ يمتلك المعرفة والشجاعة ؛ حتى يكشف الفاسدينَ .. وسِرَّ هذه الدماملِ التي انتشرت على جسد الوطن .

إنَّ الفسادَ لا ينشأُ مِن تلقاء نفسه ، هو ينشأُ حيث يكونُ المفسدون ، لكننا أصبحنا في هذا العالم - المتلاطِم بالفساد - نسمع بالفساد ولا نرى فاسدين ، وأصبحت قصة محاربة الفساد .. تشبه تماماً قصة " الغول " الذي نسمع به ولا نراه ، ففي حربنا ضد الفساد.. نسمع أحدهم يقول : سنجفف منابع الفساد ، وآخرٌ يقول : سنقطع دابر الفساد ، وآخر يصيح : سنضرب بقوةٍ على المفسدينْ ، بينما هو الفسادُ يقوى ويكبر وينمو بأنيابه ومخالبه ورؤوسه ، إذ يلجأ المفسدون إلى إشاعة نهجهم الخاصِّ و الفاسد .. على أوسع نطاق ممكنٍ بين ضِعاف النفوس، بحيث لا يعود بوسع أي أحدٍ الاعتراض أو الاحتجاج عليه.. وكلُّ ذلكَ عملاً بالقاعدة القائلةِ : أنه إذا أراد الفاسد حماية نفسه .. فإن عليه أن يُفسِدَ سِواه أيضاً .

هكذا أرادَ الفاسدون .. أن نعيش في بحرٍ متلاطم من الظلامْ ، فحين يتعمم الفساد .. لا يعود بوسع أحدٍ أن يتحدث عنه أو الاعتراض عليه ، وتبقَ المساعِ لمحاربتهِ مجرد أحاديثٍ ، لا بل يصبحُ مجردَّ النقاش حول الفساد والفاسدينَ .. ضرب من العبثْ ، ومن هنا.. ضاعت الحقيقة والحقوق ، واختلط الحابل بالنابلِ ، وهذه المرةِ .. طار النسر مع الخيط .. وقُيِّدَ الفساد ضد مجهول .

" خيط بغير هالمسله .. الشمس ما بتتغطى بغربال "








طباعة
  • المشاهدات: 50495
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم