حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,14 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 36985

في باص مخيّم اليرموك

في باص مخيّم اليرموك

في باص مخيّم اليرموك

26-10-2015 04:10 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د عودة ابو درويش
ينادي سائق الباص ومساعدة بأعلى نبرة في صوتيهما , باب مصلّى مخيم , زاهرة , ليجمعوا اكبر قدر ممكن من الركاب من وسط دمشق الى مخيّم اليرموك , ويعلو مع صوتيهما مغني بصوت جبلي , يقول لحبيبته انّه سيزرع لها بستان من الورود وشجرة صغيرة تضللها , وسيغزل لها من لون الشمس أسواره تضعها في يديها , يركب الجمع الراغب في الوصول كلّا الى مبتغاه , غير ابهين بالصوت المرتفع من جهاز التسجيل ,الذي يكرر الاغنية بلا توّقف , ولا من السائق ومساعده , ويجلس كلّ منهم على اوّل مقعد فارغ , يسرح في خياله بدنياه التي يعيش وبماضيه ومستقبله .
الرجل الاربعيني الذي يجلس بجوار فتاة صغيرة , يحاول ان يمنع قدمه من أن تلامس قدم الفتاة , وهو العائد من عمله في وسط المدينة , ينتظره اولاده بشوق ولا شك وهو الذي لجأ مع أبوه بعد النكسة ليسكن في أطراف الشام , في غرفة من الحديد الذي يصرخ دائما وكانّه يطلب النجدة , ثم تحوّلت الغرفة الى جدران من الاسمنت مضافا اليها حمّام , ويحلم يوما بالعودة الى القرية التي ولد فيها , ولعب مع اقرانه في حواريها , والفتاة التي لا تعرف أنّ جدّها اتى الى هنا بعد أن طرده الصهاينة من بيتة , ليسميه العالم لاجئ , ينتظر من الامم المتحدة مساعدة ومدرسة ليعلّم اطفاله الصغار حبّ فلسطين .
ركب الباص ابو محمّد , جاري العزيز , والذي جاء الى دمشق من ريفها يوما ما , شابا يحدوه الامل في ان يصبح من أعيانها , لكنّه لم يظفر الاّ بشقّة صغيرة يدفع قسطها من نقود التقاعد القليلة , وبتملّكها كان دائما يحمد الله على نعمته , وانّه يعيش بأمان , ويزوره اولاده المتحابين , الذين لم ينسوه بين حين وآخر بعد أن ماتت امهّم , وكنت ازعجه دائما , معاتبا له كيف يترك بلدته , انا الفتى الذي اتى من مدينة صغيرة في جنوب الاردن , حالما بدمشق الواسعة اوّل عاصمة في التاريخ , والتي قرأ عنها قصصا , نسجت في خياله صورة لمدينة الاحلام , الجميلة الرائعة , والتي تسكن بجوار نهر بردى بسلام , والتي عشنا فيها كلّنا أيّاما حلوة .
كان بعض من في الباص يتحدّثون فيما بينهم , عن الامن والسلام الذي يعيشون به , ويتمنون أن تدوم عليهم هذه النعمة , ويبدوا انها دامت لهم ولكنها لم تدم لأبنائهم واحفادهم , الى أن اتى من ينغّص عليهم حياتهم , بأحلام وردّية أصبح تحقيقها لا يكون الاّ بقتل بعضهم بعضا , واللاجئ الذي كان يحلم يوما بالعودة الى بلدته بفلسطين , لم يدر أنّ احفاده ركبوا البحر هربا بأنفسهم الى لجوء آخر ولكن ليس الى فلسطين , وأبو محمّد مات ولم يعلم أنّ أولاده أصبحوا أعداءا , كلّ واحد منهم في فرقة , تعتقد أنها التي على الصواب .
لا يزال صوت المغني يرّن في أذني , ولكني لا أعتقد أنّ أحدا سيتمكن من زرع بستان من الورود لحبيبته , ولن يتبقّى لها شجرة تستظلّ بها , ولن يرى نور الشمس الذي حجبه دخان القنابل.










طباعة
  • المشاهدات: 36985
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم