22-03-2015 11:40 AM
بقلم : المهندس عصمت حداد
لعل معركة الكرامة بما مثلته من انعطاف كبير في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وبما مثلته من نقلة نوعية في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، تعتبر واحدة من أعظم المنازلات التي تجلت فيها عزيمة الجندي الأردني وتصميمه على الشهادة والدفاع عن أرضه وأمته . معركة الكرامة.. هذا اليوم الخالد الذي أعاد للأمة أمجادها وثقتها بنفسها وعروبتها بعد أن تجرعت الأمة مرارة الهزيمة والنكسة في حزيران عام 1967. فمع بزوغ فجر وشمس يوم 21 آذار 1968 زمجرت المدافع وانطلقت الأصوات على الأثير عبر الأجهزة اللاسلكية تعلن بدء الهجوم الصهيوني عبر النهر على الجيش الأردني الصامد المرابط على سفوح الجبال بكل عزيمة وإيمان بالله والوطن، حيث بدأ الزحف لما يقرب من عشرة آلاف جندي صهيوني بدباباتهم ومدافعهم الثقيلة على طول الواجهة الشرقية لنهر الأردن، وما أن وصل هذا المدد الأسود إلى أطراف بلدة الكرامة حتى كان الجيش العربي الأردني لهم بالمرصاد وعندها بدأت المعركة واستطاعت مدفعية الجيش العربي الأردني الباسل المنصوبة فوق الجبال والمموهة بذكاء أن تقصف فلول الغزاة الصهاينة وأن تكبّد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح والآليات.
نعم أنه يوم الكرامة .. كرامه العز والوفاء والكبرياء، هذا اليوم الأردني بامتياز الذي يعجز القلم واللسان عن وصفه، وتلك المعركة التي كان يشرف عليها جلالة المغفور له الملك الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك يقودها بنفسه ويبعث روح الحماس بين جنوده وقواته، وكان بتصميمه وإرادته القوية مثلاً رائعاً تعلم منه الجميع كيف تكون الإرادة الحرة القوية فوق كل اعتبار. فمازالت أقواله رحمه الله وعباراته التي تحمل في ثناياها روحاً استشهادية وكل معاني التضحية راسخة في عقولنا عندما كان أبو عبدالله في ساحة الوغى وفي خُضم المعركة وأطلق صرخة إلى الأمة والقادة العرب، وفيها مقولته الشهيرة:"ولئن أخذتم تسمعون عنا وليس منا بعد هذا اليوم، فلأننا والله قد طالت نداءاتنا وتوالت".
يوم الكرامة سيبقى ذكرى خالدة وحية لوطن لا يموت، هذا اليوم يوم لن ينساه كل أردني وطني غيور بعد أن سطر شهداء الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية صفحة مشرقة في تاريخ وطنهم وأمتهم يخلدها لهم التاريخ على مدى الزمن، ففي مثل هذا اليوم.. يوم الكرامة سالت دماء الشهداء وبجوارها سالت دموع الفرح والنصر، وعلت أصوات زغاريد الأردنيات، وابيض وجه الأردنيين واسود وجه الصهاينة، واعتلت أقدام أبطال جيشنا صدور ورؤوس العدو.
يا شهداء الكرامة.. هنيئاً لكم الشهادة فقد فزتم بها لأنكم الأفضل من كل أبناء الشعب، فطيب الله ثراكم. سلام عليكم يا شهداءنا الأبرار، سلام عليكم في قبوركم وجنانكم ،سلام على من قدموا دمائهم في أرض الكرامة وأرسلوا أرواحهم إلى السماء دون تفكير أو خوف أو بخل من اجل الوطن وعزة الأردن، سلام على من رحلوا تاركين الألم والحسرة لأمهاتهم الثكلى، ونسائهم الأرامل، وأبنائهم اليتامى، سلام على من تركونا بعدهم لنكمل مشوار النصر وبناء الوطن .
واسمحوا لنا أن نرسل إليكم هذه الرسالة نخبركم فيها عن حالنا ومآلنا:
نحن يا أخوة بعد استشهادكم في معركة الكرامة نعلم أنكم تركتم عالم الحياة ولا تعرفون مصير أسركم وأبنائكم وما الذي صاروا إليه، ولكن نخبركم أنه كما كان الحسين رحمه الله بينكم في أرض الكرامة فها هو أبا الحسين حفظه الله يرعى أبناء الشهداء وأسرهم ويقدم لهم التكريم والدعم المتواصل وفاءً لأرواحكم ودمائكم الطاهرة فأنتم تعلمون أن الله كرمنا بقيادة أردنية هاشمية من طراز فريد .
يا شهدا الكرامة: هل تعلمون إن من خرجتم من أجلهم لأرض المعركة لبناء الوطن والإنسان تجاوزا كل الأخلاق وكل القيم وارتكبوا الكثير من الجرائم بحق الوطن، وقد تبكون بمرارة حين تعلمون أن من أبناء هذا الوطن ما زال الكثير منهم يتربصون وينعقون ويطعنون الوطن كل يوم .
يا شهداء الكرامة: نشعر بالخجل منكم.. ما أجملكم وما أقبحنا فقد خذلناكم وخذلنا الوطن الجميل، وقد تركنا دماؤكم و أرواحكم مجرد ذكرى سنويه.. خذلناكم كثيراً عندما أعطينا الحصانة لبعض الفاسدين الذين ينهبون ويتلاعبون وما زالوا يعبثون بالوطن.
يا شهداء الكرامة: نود أن نخبركم أن المحسوبية والشللية تفشت في مجتمعنا وأن الكثير من خفافيش الظلام ما زالت معاولهم تهدم نسيج وبناء الوطن.
يا شهداء الكرامة: هل تعلمون أن النسبة الكبيرة من أبناء وطنكم ما زالوا يقبعون تحت خط الفقر، ويصارعون من أجل لقمة عيشهم.
يا شهداء الكرامة:كم نحن بحاجة إليكم اليوم، وكم نفتقدكم والإرهاب يحيط بالوطن في هذا الإقليم الملتهب.
يا شهداء الكرامة: نسيت أن أخبركم انه بعد معركتكم الخالدة التي دافعتهم فيها عن الوطن وفلسطين والأمة امتدت يد الغدر والخيانة لرمز من رموز الأردن البطل الشهيد وصفي التل رحمه الله .
يا شهدائنا الأبرار : ستبقى سيرتكم العطرة قناديل هدى لمعاني الحرية والسيادة، ومشاعل حق لمعاني النصر والإرادة ، ولحناً أردنياً مكللاً بالحناء والدحنون والشيح والزعتر، شامة على جبين التاريخ، وعنواناً صادقاً لوجودنا وكرامتنا ، ونهجاً أردنياً هاشمياً ضارباً في عمق التاريخ والحضارة.وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية المظفرة المكان الآمن بإذن الله والموئل العزيز للأحرار ومشعلاً للحرية وبوابة الفتح والنصر والكرامة وسيبقى الجيش العربي الذي صنع نصر الكرامة عنواناً للأمن والسلام فمن الحسين إلى أبي الحسين رايات عز وفخر تبشر بمستقبل مشرق وأمل كبير وعطاء بلا حدود.
رحم الله شهداءنا وأسكنهم فسيح جناته وحمى الله الأردن حصناً منيعا متقدماً يصنع مجد الأمة على الدوام في ظل القيادة الهاشمية الواثقة.