21-08-2013 10:01 AM
بقلم : د.محمد حرب اللصاصمة
حديثنا اليوم عن خُلُق ذميم وذنب جسيم وأذى عظيم، يأكل الحسنات، ويجلب الويلات، ويُورِث العداوات، ويسبّب القطيعة والعقوق، ويحيل حياة الناس إلى جحيم وشقاء وكَدَر وبلاء، إنه الظلم ـ يا عباد الله ـ، فقد حذّر الله من الظلم، فقال في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم محرّمًا فلا تظالموا)) ، وعن جابر أن رسول الله قال: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) .
قال ميمون بن مهران: "إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه"، قيل له: وكيف يلعن نفسه؟! قال: "يقرأ: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وهو ظالم"، وقال سفيان الثوري رحمه الله: "إن لقيتَ الله تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله تعالى أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد"، أي: بظلمك أحدًا من عباد الله، وذُكِر عن أبي بكر الوراق أنه قال: "أكثر ما ينزع الإيمان من القلب ظلم العباد"، وكان يزيد بن حكيم يقول: "ما هبتُ أحدًا قطّ هيبتي رجلاً ظلمتُه، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله، يقول: حسبي الله، الله بيني وبينك". فالظلم حرام، وحتى ظلم الكافر لا يجوز، فما بالك بظلم المسلم؟!
أمَـا واللهِ إن الظُلْمَ لُـؤْمٌ وما زال المسيءُ هو الظَّلُومُ
إلى الدَّيانِ يومَ الدِّينِ نمضي وعند اللهِ تجتمعُ الْخُصُـومُ
ستعلمُ يا ظَلُومُ إذا التقينا غدًا عند الإلـهِ مَنِ المَلُومُ
إن صور الظلم التي يقع فيها الناس كثيرة جدًّا، فأعظمها وأكبرها وأشدها عذابًا ونَكالاً الشرك بالله، قال تعالى على لسان لقمان: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
ومن الظلم الذنوب والمعاصي عمومًا، فإنها ظلم العبد لنفسه، ومن أنواع الظلم ظلم العباد بعضهم لبعض، وأشدّ الظلم عندما يقع من الأقارب،
ومن أنواع الظلم تفضيل بعض الأولاد على بعض عدوانًا وطغيانًا، فنبينا لما أُرِيدَ منه أن يشهد على تفضيل رجل لأحد أولاده قال: ((اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))، وقال في الحديث الآخر: ((لا تُشْهِدْني على جَوْر، أَشْهِدْ على هذا غيري)) . فجعله جَوْرًا، وامتنع من الشهادة عليه؛ لأنه من الظلم. ومن أعظم ظلم الرجل لأولاده أن يتركهم بلا أمر ولا نهي، ولا يُؤَدّبهم ولا يُوجّههم.
ومن أنواع الظلم المعاملات الربوية، فقد بيّن تعالى أنها ظلم؛ لأنه أخذ مال بغير حق.ومن أنواع الظلم أكل أموال اليتامى بغير حق.وحذّر تعالى المسلم من قتل نفسه، وبيّن أن الانتحار من ظلم الإنسان لنفسه، قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰنًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا
وأخبر أن مُمَاطَلَة الغني للحق الواجب عليه ظلم منه لصاحبه، كتأخير أداء الحق من ثمن المَبِيع أو القرض أو غير ذلك، يقول ((مَطْلُ الغني ظلم)) .
ومن صور الظلم الشائعة أكل أموال الناس بالباطل، وذلك عن طريق السرقة أو الغشّ أو عن طريق الرشوة أو عن طريق التدليس، كمن يأخذ أرض غيره أو بعضها بمستندات مزوّرة أو أيمان كاذبة، ففي الحديث: ((من ظلم قَيْدَ شِبْرٍ من الأرض طَوَّقَهُ الله من سبع أَرَضِين)).
ومن أنواع الظلم ظلم الناس في أعراضهم بالغيبة والنميمة والاستهزاء، وفي الحديث: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام))
أيها المسلمون، إن الظلم مَرْتَعُهُ وَخِيم وشؤمه جسيم وعاقبته أليمة، ولشناعة الظلم، وكثرة أضراره، وعظم الأذية به؛ جعل الله تعالى عقوبته مُعَجّلة في الدنيا قبل الآخرة،.
لا تَظْلِمَنَّ إذا ما كُنتَ مُقْتَدِرًا فالظلمُ ترجع عُقْبَاهُ إلى النَّدَمِ
تنامُ عينـاك والمظـلومُ مُنْتَبِهٌ يدعو عليك وعينُ اللهِ لَم تَنَمِ
ولما حُبِس خالد بن بَرْمَك وولده في نَكْبة البَرَامِكَة المعروفة قال ولده: يا أبتي، بعد العزّ صرنا في القيد والحبس! فقال: يا بني، دعوة المظلوم سرت بليل، غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها. وما مِن يدٍ إلا يدُ الله فوقَها ولا ظالِمٌ إلا سَيُبْلَى بأظْلَمِ
أسأل الله أن يجعلنا من المُقْسِطين، وأن لا يجعلنا من الظالمين.