حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,16 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7812

رحلة في ربوع الوطن-

رحلة في ربوع الوطن-

رحلة في ربوع الوطن-

08-02-2010 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

أ.أقبل عجوز من بعيد قد تجاوز الستين من عمره، بحدبته البارزة في ظهره وترهلاته الكثيرة.. الكتفين... الجفنين حتى لا تكاد تعجز عن رؤية أحدا قه .. ناهيك عن البسمة البسيطة والرقيقة... والشعر الذي حولته كثرة الحناء فيما مضى من بياضه إلى حمرة هادئة، والشيب في لحيته وقار وكبرياء، من فرط رحمته ما كنت أظن أنة يدوس بعصاه الخرفه الأرض، وكأنها نسمة تنساب على سطح الحياة البائسة، تفتحت عيناي على ذلك العجوز الذي بلغت منة الشيخوخة والتعب منه مبلغا، يكاد رأسه أن يلمس ركبتيه، وهو يمشي بهدوء متناه، ملفعا رأسه بالشماغ الأحمر والعقال الأسود، خط علية الزمان بانثناءاته تفاصيل حكايات الوطن، الذي كان ستار مسرح حياته على ثرى هذا الوطن، ما إن ترفعه حتى ترى العجب، عيناه البيضاوان الممتلئتان بحكايات وقصص تجوب الوطن طولا وعرضا، تستنطق أمجاد الماضي، وتستنبت أماني المستقبل وتربطها معا بعروة وثقى0 عاد العجوز بذكرياته للأيام الخوالي للأصدقاء، والضحكات، وكلام شيوخ الحي في الصباح، والحليب الأبيض الحار المخلوط بالزنجبيل، الذي يدفئ الحضور، وخبز الطابون والرقاق الذي يتناثر على أثوابهم أحيانا، تذكّر أيام الشمس المنطفئة بغيوم الشتاء ومن خلفها أشجار الزيتون القديمة، التي تمد يدها إلى السماء تستسقيها من فوقها، وأنفاس الأرض المتصاعدة المشتاقة للمطر، تضرب طبول قلوب الفلاحين والمزارعين إيذانا ببدء موسم الخيرات والصدقات، وفي ذهنه منظر البيوت المتشابكة كسقف واحد متراص كاسرة واحدة متعاونة ومتحابة، جمعتهم طيبة المكان، وعشق الوطن0 حينها أدركت أنني قد لا أستطيع استخراج ما في أعماق البحر، ولكنني أحاول العوم في قلبه الكبير، لعلي أصل إلى ما عجز عنة الآخرون، وعلى الرغم من أن الأشياء القديمة مخزنة في الذاكرة، فإنني أحببت إن يحكى على لسان هذا العجوز أنها حكايات لذتها في سماعها من الأصل، كيف لا وأنت ترى فيه قلبا مفتوحا وكتابا يحمل أجمل رواية للوطن المتأبط بروحة، مستذكرا بشواهد الوطن، اليرموك ساحة الانتصار الكبير تغفو على صليل السيوف وصهيل الخيول، والآمال المتفجرة بان نكون سادة العالم، ومؤتة على الثرى الأرجواني المضمّخ بدماء الفتية الثلاثة، نشيدهم يملا الرحب:يا حبذا الجنة واقترابها، والثورة العربية الكبرى التي كانت وقفة هاشمية وفاء لواجبهم ومسؤولياتهم التاريخية، عندما قادوا أبناء الأمة العربية في أعظم ثورة شهدها التاريخ العربي الحديث، ومثلت الخطوة الأولى على طريق التحرر، والكرامة تلك الملحمة البطولية التي ما زال النصب التذكاري لجنود أبناء الوطن الأبطال، تقف شاهدة على انصهار الأخوة ورفاق السلاح في بوتقة واحدة صنعوا معا بتضحياتهم وبدمائهم الزكية نصرا حقيقيا، ثمينا وفريدا جدا. تنهد العجوز قليلا ثم قال : يا ولدي كن من أصحاب الذكر الطيب، لتبقى حيا بين الناس حتى وإن رحل جسدك إلى عالم الفناء، لأن العمل الصالح وحب الخير، وتقديم النصيحة الصادقة، ومد يد العون والمساعدة وحب الوطن وترابه، والتشبث بهما يكسبك المكانة اللائقة في المجتمع، وإن البذل بالجهد والمال والأفكار من أجل الأسرة والمجتمع والوطن يترك بعد ذلك أثرا واضحا وذكرا عطرا، وتعلي من شأنك وقدرك وتدفع لذكرك بالثناء والمدح والإشادة.. فيا بني ما أكثر الرجال الذين نفاخر بذكرهم وسيرهم، ومواقفهم الوطنية والقومية والإنسانية، وحبهم لتراب الوطن أؤلئك الذين أصبحوا مثلا وقدوة لمن أراد أن يسلك ذلك الدرب. يا ولدي: ابذل ما بوسعك من أجل تراب وطنك، وافديه بروحك وكيانك وازرع بذور الخير والعطاء في كل ذرة من تراب هذا الوطن الطهور حتى تجني الثمار الطيبة والأزهار اليانعة المملؤة بدفء الحياة، أزرع الأمل والطموح ازرع الصدق والإيمان والإخلاص، وأنظر بعيون الحب والتفاؤل، واعمل بهمة عالية، بجد واجتهاد وخطى ثابتة فبالإرادة الصادقة نتحد المستحيل، ونشيّد أركان الوطن ونبني دعائمه كي يبقى علم بلادنا في الأفق، ثمّ شمّر العجوز عن ساعديه فتوضأ ثم صلى ركعتين، استعاد نشاطه وأستجمع قواه وطاقته فنادى الله متضرعاً مستكيناً إليه حمى الله الأردن وقائده، وأهله والله خير الحافظين. أنهى العجوز كلامه والناس ما زالوا في حراك مستمر، أصوات كثيرة، السيارات من هنا، والطائرات من هناك، وشقشقات العصافير منشدة فوق ربوع الوطن، انه يوم نشيط مفعم بالحب والأمل والخير والحيوية، نسجت الشمس خيوطها الذهبية على وجه النهار، استوقفتني لحظات دهشة وتأمل، كلمات ومعان معبرة أيقضت النور في مقلتي، شعرت معها بقيمة الإحساس والمتعة بما لديه من اتزان عقلي ووجداني وسلوكي، ترضي وتقنع وتدرك مواطن حب الوطن والجمال أينما حل… بدأت كلمات العجوز تتبادر في ذهني وروحي وكياني، إنها دعوة للولاء العميق والانتماء الحار الشامل للأرض المباركة والتراب العزيز والتاريخ المجيد، وتعظيم للحس الوطني وتعزيز للشعور الجماعي وترسيخ لروح الانتماء والاعتزاز للوطن من أجل صناعة مستقبل أردني ماجد وواعد، إنها دعوة لنكون كلنا الأردن. فقد تعلمت أن" حب الوطن من الإيمان" أجل سأزرع بذور الخير والعطاء في كل ذرة من تراب الوطن الطهور حتى أجني الثمار الطيبة والأزهار اليانعة، فقد كنت أقرأ في عيون ذلك العجوز كلمات الشاعر إبراهيم طوقان إذ يقول: حي الشباب وقل سلاما أنكم أمل الغد صحت عزائمكم على دفع الأثيم المعتدي وطني أزف لك الشباب كأنه الزهر الندي وأضف إلى ما استشعرت به من حس وطني مرهف على لسان ذلك العجوز في دعوته لنا معشر الشباب بأن بلادكم في حاجة إلى عملكم، فأنتم القادرين على العمل والإنتاج، وثروة الوطن ودرعه الحصين، فمدوا أيديكم للوطن وأعملوا بأقصى طاقاتكم باذلين الأرواح والمهج، وبذلك تقودون بلادكم إلى الرقي والازدهار وتحظون بأجر عظيم ليخلد ذكراكم في الدنيا والآخرة. لقد حار فكري، ولم يثرِ القريض بخاطري لكلمات استطردها ذلك العجوز في عجالة، فيها صحوة الضمير، ورجاحة العقل، وعذوبة المشاعر، وصدق الأحاسيس، فما استطاع بناني الوقوف أو التريث أن يجود بصدق الكلمة رغم جفاف القلم، ورجفة البنان، ورهافة الحس، وخلجات المشاعر، فحكاية كلنا الأردن تحاول بثوب التواضع إبراز هذه المحاولة الناشئة لتحقق غاية مرجوة، وهدفاً منشوداً، ترنو أن تجد حالها تسير وموكب العلم وبناء الشخصية الأردنية القوية، على ركائز الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل. من هنا تبدأُ الرحلة الجميلة في ربوع الوطن .. لننهل من ينابيعه.. ونرتوي من مياهه الصافية بصفاء أهله، وقلبه الذي ينبض بالأمل المشرق والغد الواعد، لتزهو الرحلة بثوبها الجديد وحلتها البيضاء لتكون أردنية الكلمة، هاشمية الرسالة بالهوية والعنوان.... وتستمر الرحلة.








طباعة
  • المشاهدات: 7812
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
08-02-2010 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم