14-07-2009 04:00 PM
لم يعد غريبا ان تجلس ساعة واكثر وعائلتك منتظرا في البهو ، ان يجئ دورك في مطعم حمص وفول بشارع المدينة المنورة ، لتكون فاتورة الافطار لعائلة من اربعة انفار بعشرين دينارا ، وهو ذات الامر الذي حصل معي من يومين في اجازة قصيرة في الاردن ، تنتظر اكثر من ساعة لتدفع ثمن جلسة حمص وفول محدد الصحن الواحد مع الضرائب المضافة بما يتجازو الدينارين ، و مطاعم خالية من الزبائن كانت عامرة ذات يوم في وسط البلد و شرق عمّان تبيع الصحن الواحد بربع هذا الثمن ، هذا التزاحم الكبير على التسوق والرفاهية التي بدأت تضيق بها مرافق عمّان الغرب التي كانت يوما ما هادئة الا من فئة ، قليلة هي الاقلية المترفة في عمّان وسط تزاحم الفقر والشعبية العامة ، هذه الشعبية التي بدأت تأخذ منحى آخر اليوم.. *** قبل نحو شهرين كتب كامل نصيرات في الدستور ان مدير التحرير دعاه الى الانفتاح اكثر على مجتمع عمان الغرب مما دعاه الى زيارة عرضية الى الصوفية ليرى هذا الكم الهائل من التسوق الذي كان يوما ما ايضا ، حصرا على وسط البلد وجبل الحسين والتجمعات الشعبية ، ودعوة مدير تحرير الدستور لها بالفعل ما يبررها بل ما يحث عليها باعتبار ان طبقة كتاب الصحف الاردنية القادمة معظمها من عمان الشرق والزرقاء واربد والجنوب ، كانت تمثل في مقالاتها فئة معينة تستقوي بمقالاتها بهم ، وهذه الفئة التي بدأت تنحسر مع تطور البلد تدريجيا وبعضها ذاب اصلا في مجتمع عمّان الغرب ، الا ممن استعصى على ذلك بفعل ثقافة الاستهلاك المقنن الذي رافق سكان غير مجتمع عمان الغرب ، فالبورصة التي انهارت او اجهضت كما يرى اربابها ، كشفت الكثير عن رؤوس اموال في الطبقة الدنيا من المجتمع الاردني ، فالذي كان يودع عشرات الالاف او مئات الالاف من الدنانير في البورصة ، ويعيش عيشة التقشف والانحياز شكلا نحو الحاجة والعوز ، هذا كان من الصعب عليه ان يندمج في مجتمع غرب عمّان السائد اليوم في الاردن والذي يعتمد ثقافة الاستهلاك والتمتع بما توفر ، والكثير من سكان غرب عمان بالطبع لا يمتلكون اعشار ما كان يمتلكه المقهورين الكادحين(!!!) في البورصات ، وذات الفكرة يقولها سكان مدن عربية ترميهم شعوبهم بالشح مثل الموصل في العراق و حمص في سوريا وحضرموت في اليمن ، وهم من اغنى المدن في هذه الدول ويدافعون عن انفسهم شحا بانهم خاضوا ظروفا صعبة من الحصار والتشرد جعلت ثقافة الشح هي الدارجة ، رغم غنى هذه الفئات ، وهو ما صارت اليه الكثير من الفئات التي تحسن مستواها المادي وابقت على سلوكها المعيشي..! اعود لما بدأ يسحب البساط من تحت كتاب الصحف الاردنية القادميين من مجتمع بدأت ثقافته تغيب تدريجيا ، مع هذه الهيمنة المطلقة لما كان يعرف بثقافة عمان الغرب ، وهي اليوم ثقافة مجتمع عمان بغالبيته ، فالجامعة الاردنية منذ اكثر من 30 سنة كنتَ ترى طوابير السيارات التي يمتلكها طلابا من غرب عمان تقف الى جانب سور الجامعة الممتد من مستشفاها الى جامعها ، وهو ما لم يكن موجودا في جامعتي مؤتة واليرموك السائدة بطلبة الارياف والبوداي ، الذي كان يمتلك سيارة من الطلبة كان معروفا للجميع في جامعتي اليرموك ومؤتة ، بضع سيارات كانت تقف قبل نحو 15 سنة لطلبة قادميين من عمان الغرب اما جامعة العلوم والتكنواوجيا في اربد ، هذا الامر اليوم تراه مختلفا في كل جامعات الاردن تقريبا،،،! سبق للكاتب المعروف سميح المعايطة ان كتب عن ضرورة رفع فاتورة الاقتصاد المدرسي للطالب ، لان الاهل ما زالوا يعتمدوا على قيمة مشتريات اولادهم حيث كانت قبل عهد الغلاء ، اذكر انه قال بالحرف ان – سندوتش الزعتر- لم يعد يكفي ويحسب استهلاك الطالب بحبتين من جبنة المثلثات ، هذا المقال القريب العهد للاستاذ المعايطة يعيش خارج تفكير شريحة كبير اليوم ممن يستهلك ابناؤهم في المدرسة ما لا يستهلكه طالب جامعة في فصل كامل من جيلي الذي ينتمي له الكاتب المعايطة ، وهو لم يعد متاحا اليوم اذ كانت تبلغ فاتورة الفصل الدراسي في كلية الطب بالاردنية والتكنولوجيا للطالب 400 دينارا وهذه الفاتورة اليوم لا تغطي طالب بمدرسة في غرب عمان من مستوى رياض الاطفال..! وكتب الاستاذ احمد حسن الزعبي مقالا قبل نحو سنة فيما اذكر عن الاجازات وكان محقا في بعضها ، لانه يتحدث عن فئة المغتربيين الباحثين عن توفير بيت وتعلم الاولاد لا اكثر ، حيث يقضون اجازاتهم بعد ان يصلوا البلد على اكل البيض واللحمة المفرومة رخيصة السعر ، بعد ان يكونوا قد وصلوا البلد بسيارات بالكاد اوصلتهم الى الاردن بعد ان ( سلقوا ) اطفالهم بالحر و صوت محمد عبده ، هكذا فيما اذكر وصف الكاتب احمد الزعبي ، لكن مما لا شك فيه ان الفئة الاكبر من المغتربيين اليوم يقضون حياتهم في الخليج في مستوى استهلاك كبير – لايف ستايل – وهذا غاية استمراريتهم في دول الخليج الفائضة بالمغريات ، وعندما يأتون الى الاردن يقضون اجازاتهم في الفنادق الراقية التي تضاعفت بالمئات خلال سنوات ومثلها المطاعم ، وينفقون ما تم رصده خلال عام في شهر واحد ، وهذا يختلف كليا عن المغترب الكادح الذي رمى به الفقر بالخليج وعاده بسلوكه قبل ان يذهب...! *** الذي يشاهد مولات عمان اليوم واسواق غرب عمان المزدحمة حد الاشباع بالزبائن ، ويشاهد تراجع وموت كثير من الاسواق الشعبية ، يدرك قيمة ما ذهبت اليه من سيادة مجتمع عمان الغرب وثقافته على المجتمع الاردني ، وهو ما تحاول بعض الاسواق التجارية ان تسابق الثقافة فيه ، فبدأت المولات التجارية تمتد لشرق عمان وبعض المناطق خارج عمان ، مقلدة مجتمع غرب عمان وربما تخوض تجربته او يخوضه بعض افرادها ، وهو ما لا ينطبق على المجتمع العكس، يعني ليس ثمة امتداد لمجتمع غرب عمان الى المجتمع الشعبي ، الذي يجعل من مجتمع عمان الغرب هو المجتمع الشعبي القادم ، وهو ما لم يجاريه الكتاب اليوم ، وهو ذات الشيئ الذي دعى له مدير تحرير الدستور الى الانفتاح على غرب عمان ، وباعتقادي ان معظم الكتاب والصحفيين في العالم قادمون من المجتمعات الشعبية العاملة ، وهو الذي خلق هذه الفجوة ، واعتقد اكثر ان مجتمع الاعلام الاردني كذلك فابستثتاء قليل مثل عائلة الشريف التي خرّجت اعلاميين كبار ووزراء ووزراء اعلام ككامل الشريف ومحمود الشريف ونبيل الشريف ، والتي تنتمي لطبقة لها حضورها العام فمعظم الاسماء التي نقرأ لها اليوم – وهذا وضع لا يعيب احدا كالفقر ايضا – جاءت من المجتمع العام والطبقة الاقل حضورا.. ومما يزيد الفجوة كذلك بين الكتاب المحليين وهذا المجتمع الصاعد نحو هذه الثقافة ، ان الكتاب انفسهم يدركون ان موظفي الراتب المتوسط 300 دينارا ، هي فئة قليلة اليوم ، فلا الكتاب انفسهم يتقاضون هذه الرواتب السفلية ولا القطاع الخاص الذي يستحوذ على نسبة عملاقة من الموظفيين ، بعضها كموظفي البنوك والتامين وشركات التصنيع يتقاضون رواتب كبيرة جدا ، هذا غير العاملين في مصالحهم الخاصة و تدر عليه دخولا يتهربون من الضريبة اذ يتحدثون ، وكذلك فئة المغتربين التي تتقاضى رواتب عالية تذهب معظمها في الاستهلالك اليومي..! *** ان تدور حول احدى مولات غرب عمان ساعة واكثر مساء الجمعة تبحث عن موقف لسيارتك بعد ات تضئ الشارة الحمراء بامتلاء المواقف الداخلية ، وتغادر دون ان تجد موقفا ، في الوقت الذي تجد فيه موقفا على جانب شوارع وسط البلد في ظهيرة يوم الخميس التي كانت يوما ما تضيق بالرواد ، تستطيع ان تعرف اين تتجه ثقافة البلد اكثر...!
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-07-2009 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |