حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3402

الاردن،، دولة الموقف في زمن التشفي

الاردن،، دولة الموقف في زمن التشفي

الاردن،، دولة الموقف في زمن التشفي

24-12-2025 06:19 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. مثقال القرالة
لا أجد، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، أي مبرر أخلاقي أو إنساني أو تاريخي للمشاعر السلبية التي يصرّ بعضهم على توجيهها نحو الأردن. فالأردن لم يكن يوماً دولة عابرة في وجدان الأمة، ولا هامشاً في سجلّ التاريخ، بل كان وما يزال وطناً صلباً في مواقفه، عميقاً في إنسانيته، ثابتاً في مبادئه، حاضناً لكل من قصده باحثاً عن الأمان، أو هارباً من الظلم، أو مثقلاً بانكسارات الحروب. هذا البلد لم يبنِ صورته على الاستعراض، ولم يصنع مكانته بالخطابة، بل راكمها بالفعل الصامت والعمل المسؤول. الأردن لم يساوم على إنسانيته يوماً، ولم يحسب كلفتها بلغة الأرقام، بل بلغة الضمير. فتح حدوده قبل حساباته، واحتضن الإنسان قبل أن يسأل عن هويته، وتحمل أعباء تفوق طاقته، دون أن يفرّط بأمنه أو كرامته أو ثوابته الوطنية. وعبر تاريخه، كان الأردن نموذجاً نادراً في التعايش والتسامح، دولة تدير تنوعها بحكمة، وتحفظ توازنها بعقل الدولة لا بانفعالات الشارع. لم تكن المواطنة فيه شعاراً يُرفع، بل ممارسة تُعاش، ولم تكن الكرامة مفهوماً نظرياً، بل سلوكاً راسخاً في السياسة والمجتمع. ولهذا لم يكن الأردن يوماً مصنع أزمات، بل نقطة اتزان في محيط عربي مثقل بالتحولات.
أما الشعب الأردني، فهو الحكاية التي لا تحتاج إلى تزيين. شعب تشكّلت هويته من النخوة، وتربّى وجدانه على الكرم، واعتاد أن يقدّم قبل أن يُطلب منه. في البيوت الأردنية لا يُسأل الضيف عن أصله، بل عن حاجته، ولا يُقاس القرب بالدم، بل بالموقف. الأردني لا يمنح الضيافة باعتبارها واجباً اجتماعياً، بل باعتبارها قيمة إنسانية متجذّرة في الوعي الجمعي. والمؤلم في كل حملات الإساءة التي تطال الأردن، أن كثيراً ممن أساؤوا إليه اليوم هم أنفسهم من أحسن إليهم بالأمس. هم من آواهم هذا البلد حين ضاقت بهم الأرض، وفتح لهم حدوده وبيوته، وجعلهم قريبين من قلبه لا على هامشه. عاشوا بين الأردنيين، أكلوا من طعامهم، وتقاسموا معهم الخبز والهمّ، وعرفوا عن قرب معنى الأمان الذي لم يكن متاحاً في أماكن أخرى. ومع ذلك، اختار بعضهم أن يقابل الإحسان بالجحود، والوفاء بالنسيان، وكأن الذاكرة الإنسانية باتت قصيرة حين تتعارض مع الأهواء. ولو أراد هؤلاء درساً في الأخلاق والوفاء، فليتعلّموا من الشعب السوري الشقيق، الذي عاش بيننا كأخ لا كضيف، وحفظ للأردن موقفه، وقدّر احتضانه، وبقي وفياً للمعروف رغم قسوة المحنة وطولها. السوري، في غالبيته، فهم أن الكرامة لا تُجزّأ، وأن من يقف معك في وقت الشدة لا يُطعن في ظهره عند أول فرصة. هكذا تُبنى الأخوّة، وهكذا تُصان المواقف.
وفي الرياضة، حيث تنكشف الأخلاق قبل المهارات، وتُختبر القيم قبل النتائج، كان الأردن كما هو دائماً: نبيلاً في الفرح، راقياً في الخسارة، نظيفاً في المنافسة. فرح للأشقاء العرب بصدق ومن القلب، واحتفل بتأهل الكويت والعراق إلى كأس العالم وفوز السعودية ومصر في الادوار المتقدمه في العديد من المناسبات الرياضية وكأن الإنجاز إنجازه، لأن الأردني يرى في كل نجاح عربي إضافة للأمة لا خصماً عليه. لم يعرف يوماً معنى الشماتة، ولم يتعامل مع الرياضة كساحة لتصفية الحسابات، بل كمساحة لوحدة المشاعر وسمو التنافس. لكن حين وصل الأردن إلى نهائي كأس آسيا ونهائي كأس العرب، رافعاً اسمه بجدارة، ومقدّماً نموذجاً مشرفاً في الأداء والروح والانضباط، فوجئنا بأن بعض الأصوات العربية اختارت الفرح بخسارته لا احترام مسيرته. باستثناء دول أثبتت عمقها الأخلاقي والعروبي مثل مصر وسوريا وفلسطين والقليل من الدول التي وقفت موقف الشقيق لا المتشفّي، بدا واضحاً أن المشكلة ليست في كرة قدم، بل في ميزان القيم والاخلاق، فهم عديمي الاخلاق والقيم.
ومع ذلك، لم ينحدر الأردن إلى مستوى الردّ، ولم يسمح للضجيج أن يغيّر بوصلته. بقي ثابتاً، لأن من يعرف قيمة نفسه لا يحتاج إلى إثباتها بالصراخ، ومن يملك تاريخاً ناصعاً لا يخشى حملات عابرة. سيبقى الأردن، مهما قيل ومهما أُسيء إليه، أرض السلام والكرامة، وسيبقى شعبه عنواناً للنبل والوعي والوفاء. هذا وطن لا يُقاس بمباراة، ولا يُختزل في تعليق، ولا تُمحى قيمه بجحود عابر. حفظ الله الأردن، قيادةً وشعباً، من كل سوء، وأدام عليه نعمة الأمن والإنسانية، وجعله كما كان دائماً: بيتاً عربياً أصيلاً، لا ينسى المعروف، ولا يتخلّى عن مبادئه.








طباعة
  • المشاهدات: 3402
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-12-2025 06:19 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم