حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,24 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3428

من خلف البروتوكول إلى قلب الشارع: قراءة أردنية في الحراك الأمريكي

من خلف البروتوكول إلى قلب الشارع: قراءة أردنية في الحراك الأمريكي

من خلف البروتوكول إلى قلب الشارع: قراءة أردنية في الحراك الأمريكي

24-12-2025 01:11 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا -
في مرحلة إقليمية مثقلة بالتحوّلات والصراعات، يبرز في عمّان نمط دبلوماسي مختلف يقوده السفير الأمريكي، Jim Holtsnider، يتجاوز الإطار البروتوكولي التقليدي نحو انخراط مباشر مع المجتمع الأردني، في مشهد لم نعتد عليه سابقًا بهذه الكثافة والانفتاح.

تأتي هذه المبادرات بعد أكثر من عقد على ما عُرف بالربيع العربي، وما تبعه من صراعات إقليمية كبرى، لا سيما الحربين السورية والعراقية، إضافة إلى أزمات إقليمية متلاحقة تركت أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي العربي، وأسهمت في تكوين مزاج عام متحفّظ، بل ناقد في كثير من الأحيان، تجاه السياسات الأمريكية في المنطقة.

هذه الذاكرة السياسية لا تُمحى بسهولة، وهي حاضرة في وجدان الشارع، وتشكل إطارًا حاكمًا لأي تفاعل جديد.

غير أن القراءة الموضوعية تقتضي التمييز بين السياسات والحكومات من جهة، وبين البعد الإنساني والدبلوماسي من جهة أخرى.

فالتاريخ يؤكد أن السياسات تتبدّل، والإدارات تتغيّر، بينما يبقى السلوك الإنساني وطريقة إدارة العلاقة مع الشعوب عنصرًا حاسمًا في بناء الثقة طويلة الأمد.

في هذا السياق، يندرج الحراك الذي يقوده السفير الأمريكي في عمّان ضمن مفهوم الدبلوماسية العامة بمعناها الأوسع؛ زيارات شخصية وعامة، لقاءات مباشرة مع شخصيات سياسية وإعلامية ومجتمعية، ودعوة موسّعة ضمّت أكثر من 120 شخصية عامة أردنية من مختلف المواقع والخلفيات، وكنتُ أحد المشاركين فيها.

وهي خطوة تحمل دلالات واضحة على رغبة في الاستماع المباشر، وفهم المزاج العام الأردني خارج القوالب الرسمية المغلقة.

كما شكّلت دعوة المنتخب الوطني الأردني لكرة القدم محطة رمزية لافتة، لما تمثله الرياضة من لغة جامعة تتجاوز الانقسام السياسي، وقدرتها على مخاطبة الوجدان الشعبي بلغة أقرب إلى الناس، وأبعد عن الخطاب الرسمي المباشر.

ولا يمكن قراءة هذا النشاط بمعزل عن تداعيات حرب غزة وإرهاصاتها، وما خلّفته من فجوة وجدانية عميقة بين الشارع العربي والسياسات الغربية عمومًا.

وفي هذا الإطار، تبدو هذه اللقاءات محاولة واعية لإعادة فتح قنوات الحوار، وكسب الود العام، أو على الأقل إدارة الخلاف السياسي بأسلوب أقل حدّة، وأكثر إنسانية.

وفي عمق هذه العلاقة، تبرز خصوصية العلاقات الأردنية–الأمريكية، التي لم تكن يومًا علاقات ظرفية أو آنية، بل شراكة استراتيجية امتدت لعقود، وقوامها الثقة والاستقرار.

وقد لعب جلالة الملك عبد الله الثاني دورًا محوريًا في ترسيخ هذه العلاقة، بوصفه رجل دولة يحظى بقبول ومصداقية عالية لدى مختلف مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة.

فالأردن، بقيادته، ظل شريكًا موثوقًا في منطقة شديدة الاضطراب، واستطاع أن يحافظ على ثبات موقفه، ووضوح خطابه، واتزانه السياسي، وهو ما منح العلاقة الأردنية–الأمريكية بعدًا يتجاوز تبدّل الإدارات، ليصبح رصيدًا استراتيجيًا ثابتًا، لا يخضع لتقلبات اللحظة.

ومن هذا المنطلق، فإن أي جهد دبلوماسي أمريكي في عمّان لا ينطلق من فراغ، بل يستند إلى أرضية صلبة من العلاقات المتراكمة، التي شكّلت عبر السنوات وقودًا للاستقرار، وأداة لإدارة الأزمات، ومساحة للحوار في أكثر الملفات تعقيدًا.

ومن موقعنا كشعب عربي وأردني، عُرف بثقافة الضيافة واحترام الضيف، وبالقدرة على الفصل بين الخلاف السياسي والسلوك الإنساني، فإننا نقرأ هذه المبادرات بوعيٍ ومسؤولية.

نختلف مع سياسات، وننتقد مواقف، لكننا في الوقت ذاته نُقدّر كل جهد صادق يسعى إلى التواصل، والاستماع، وبناء الجسور، على قاعدة الاحترام المتبادل.

في المحصلة، فإن ما نشهده اليوم في عمّان ليس نشاطًا اجتماعيًا عابرًا، بل محاولة دبلوماسية ناعمة لإعادة التموضع بعد سنوات من العواصف الإقليمية.

ويبقى نجاح هذه المقاربة مرهونًا بقدرتها على الاستمرار، وبترجمتها الحوار الإنساني إلى فهم أعمق لهموم المنطقة وشعوبها، لأن الذاكرة السياسية طويلة، لكن الحوار الصادق يظل الطريق الأقل كلفة، والأكثر حكمة، في زمن الأزمات.

النائب فراس محمد القبلان











طباعة
  • المشاهدات: 3428
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-12-2025 01:11 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم