22-12-2025 11:14 AM
بقلم : عقيد متقاعد محمد الخطيب
في خضم التحديات الاقتصادية والإقليمية التي تمر بها المنطقة، يبرز الفرق بين من ينشغل بإدارة الأزمات فقط، ومن يلتقط التفاصيل اليومية البسيطة بوصفها مدخلا للإصلاح الشامل. من هذا المنطلق، جاء ترؤس سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، لاجتماع اللجنة التحضيرية للاطلاع على البرنامج التنفيذي لاستراتيجية النظافة والحد من الإلقاء العشوائي للنفايات، ليؤكد أن القضايا الكبرى لا تُدار بإهمال الأساسيات، بل بالانتباه إليها.
رسالة سموه كانت واضحة: التعامل مع التحديات الاقتصادية لا يجب أن يكون ذريعة لتجاهل النظافة في الأماكن العامة، لأن النظافة ليست مسألة شكلية أو ترفا حضاريا، بل واجب ديني وأخلاقي، وأحد المرتكزات الجوهرية لأداء قطاعات اقتصادية حيوية، في مقدمتها السياحة. فالدولة التي تسعى لجذب الاستثمار والسائح، لا يمكن أن تفصل بين صورتها العامة ونظافة فضائها العام.
غير أن الأهمية الأعمق لهذا التوجه لا تكمن فقط في بعدها السلوكي أو الأخلاقي، بل في فتح الباب أمام مفهوم اقتصاد النفايات، باعتباره أحد المسارات الواعدة لخلق فرص العمل وتعزيز الاقتصاد الوطني. فالنفايات، التي طالما نُظر إليها كعبء بيئي ومالي، يمكن – إذا أُديرت بعقلية حديثة – أن تتحول إلى مورد اقتصادي حقيقي ضمن إطار الاقتصاد الدائري.
اقتصاد النفايات يقوم على إعادة إدخال المواد إلى دورة الإنتاج بدل التخلص منها، سواء عبر إعادة التدوير، أو الاستخدام المتجدد، أو تحويل النفايات إلى طاقة. وهو نموذج أثبت عالميا قدرته على خلق وظائف خضراء، وتقليل التلوث، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وخفض كلف الإنتاج، وفتح أسواق جديدة قائمة على الابتكار والتكنولوجيا.
في السياق الأردني، يمثل هذا التوجه فرصة مزدوجة: بيئية واقتصادية. فمن جهة، يسهم في الحد من الإلقاء العشوائي والتخفيف من الضغط على المكبات، ومن جهة أخرى، يفتح آفاقا لتشغيل الشباب في قطاعات جديدة، مثل إعادة تدوير البلاستيك والنفايات الإلكترونية، وتحويل المخلفات العضوية إلى طاقة أو أسمدة، وإدارة المياه المعالجة، وتطوير الصناعات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر.
ما يميز مقاربة سمو ولي العهد لهذه الملفات هو الربط بين القيمة الأخلاقية والعائد الاقتصادي، وبين السلوك اليومي البسيط والرؤية التنموية بعيدة المدى. فالنظافة هنا ليست حملة مؤقتة، بل مدخلا لبناء وعي مجتمعي، وتحفيز القطاع الخاص، وتوجيه السياسات العامة نحو استدامة حقيقية، قوامها الشراكة بين الحكومة والمجتمع والاقتصاد.
إن التأكيد على التنسيق بين الجهات المعنية، وتعزيز التوعية المجتمعية، وتحسين البنية التحتية، يعكس فهما عميقا بأن النجاح في هذا الملف لا يتحقق بالقرارات وحدها، بل بتكامل الأدوار، وتغيير الثقافة، وتحويل السلوك الفردي إلى جزء من منظومة اقتصادية منتجة.
في المحصلة، يقدّم هذا التوجه نموذجا قياديا مختلفا: قيادة ترى في التفاصيل اليومية فرصة، وفي النظافة مشروعا وطنيا، وفي النفايات موردا اقتصاديا، وفي الاقتصاد الأخضر مسارا واقعيا للتشغيل والنمو. وهي مقاربة تؤكد أن بناء المستقبل لا يبدأ دائمًا من الملفات المعقدة، بل من احترام المكان، وإدارة الموارد، والاستثمار في الإنسان والبيئة معا.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-12-2025 11:14 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||