21-12-2025 08:50 AM
بقلم : م. صلاح طه عبيدات
يشهد المشهد الحزبي في الأردن حالة جدل متصاعدة، لا تتعلق فقط بعدد الأحزاب أو مسمياتها، بل بجوهر الفعل الحزبي ذاته، ووظيفته الحقيقية في إنتاج حياة سياسية فاعلة وبرلمان يعكس تطلعات المجتمع لا مصالح الأفراد. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم بجرأة: هل الأحزاب في الأردن مرتبطة ببرامج ورؤى وطنية، أم أنها ما تزال في كثير من الأحيان تدور في فلك الأشخاص؟
أحد أخطر الإشكالات التي تطفو على السطح هو احتكار ترتيب قوائم المرشحين داخل بعض الأحزاب بناءً على مقدار ما يدفعه المترشح، لا على كفاءته السياسية أو حضوره المجتمعي أو قدرته على التشريع والرقابة. هنا تتحول الأحزاب من أدوات ديمقراطية لتنظيم التعددية السياسية إلى منصات انتخابية مغلقة، تُدار بعقلية السوق لا بعقلية الدولة. وهذا السلوك، إن صحّ وانتشر، ينسف فكرة العمل الحزبي من أساسها، ويعيد إنتاج ذات النخب التقليدية بأسماء حزبية جديدة.
الأخطر من ذلك أن الفوز بمقعد نيابي لا يشكل بحد ذاته أي نوع من الوجاهة الاجتماعية، كما يعتقد البعض، بل هو تكليف ثقيل من الشعب، ومسؤولية أخلاقية ودستورية لتمثيل مصالح المواطنين، والدفاع عن قضاياهم، والمشاركة في سن تشريعات عادلة، وممارسة رقابة حقيقية على السلطة التنفيذية. عندما يُختزل المقعد النيابي في كونه وجاهة أو امتيازاً، فإننا نفرغ الديمقراطية من مضمونها، ونحوّل البرلمان إلى نادٍ مغلق لا إلى سلطة شعبية.
إزاء هذه الحقائق، يصبح من المشروع التساؤل عن مدى فاعلية الأحزاب في صياغة برلمان وطني فاعل، يتمتع بحراك سياسي حقيقي، ويعكس رؤى مختلفة حول الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والعدالة الاجتماعية، والسيادة الوطنية. فالأحزاب، في أصل فكرتها، ليست مجرد أدوات للوصول إلى البرلمان، بل مدارس سياسية، ومنصات لإنتاج الأفكار، وقنوات لتأطير المشاركة الشعبية الواعية.
إن أي مشروع تحديث سياسي حقيقي لا يمكن أن ينجح ما لم تُراجع الأحزاب نفسها قبل أن تُراجع القوانين. المطلوب أحزاب تقوم على الديمقراطية الداخلية، والشفافية المالية، وتكافؤ الفرص بين أعضائها، وتقدّم الكفاءة والبرنامج على المال والعلاقات. كما أن المطلوب ناخب واعٍ يدرك أن صوته ليس ورقة مجاملة، بل أداة مساءلة وتغيير.
في المحصلة، لن يكون لدينا برلمان قوي دون أحزاب قوية، ولن تكون الأحزاب قوية ما دامت أسيرة الأشخاص والمال. فالدولة القوية لا تُبنى بالواجهات، بل بالمؤسسات، ولا تُدار بالولاءات، بل بالرؤى والبرامج. وهنا يكمن التحدي الحقيقي أمام الحياة السياسية في الأردن: إما أحزاب وطنية تُنتج تمثيلاً حقيقياً، أو أحزاب شكلية تُعيد تدوير الأزمة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-12-2025 08:50 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||