20-12-2025 04:52 PM
بقلم : الدكتورة ريم الصقور
لم يكن قرار عدم حبس المدين في قضايا الشيكات خطأ تقني يمكن احتواؤه بل قرار صادم ضرب البنية العميقة للاقتصاد وزعزع واحدا من اخر صمامات الامان في السوق، وفتح الباب امام خلل واسع في مفهوم الالتزام المالي الذي تقوم عليه المعاملات التجارية الحديثة.
هذا القرار اطلق موجة ذعر مكتومة داخل السوق، فالتاجر لم يعد يرى في الشيك ضمان بل مخاطرة قد تطيح برأس ماله فكانت النتيجة انكماش ائتماني قاسي وتجفيف للسيولة وارتداد جماعي نحو النقد، وكأن الاقتصاد عاد سنوات الى الوراء.
الاثر الاكثر فداحة تمثل في نسف الردع الاقتصادي فالردع ليس عقوبة فقط بل توازن وعندما كسر هذا التوازن اختل ميزان السوق بالكامل، الدائن بات الحلقة الاضعف والمدين غير الملتزم بات اكثر جرأة لعدم الاكتراث بالسداد تاركا فجوة كبيرة لأزمة جديد وثغرة بين التاجر والموزع لان البيئة التشريعية سمحت بذلك بطريقة غريبة غير مدروسة.
القرار فرض كلفة خفية على الجميع؛ ارتفعت الاسعار لتعويض المخاطر وتقلص البيع وتراجعت الثقة وتباطأت الحركة، هذه كلفة اقتصادية صافية يدفعها المستهلك والتاجر والاقتصاد الوطني معا بينما جرى تسويق القرار على انه حماية اجتماعية.
البيئة الاستثمارية تلقت رسالة سلبية مباشرة فرأس المال بطبيعته حذر، وعندما يشعر ان تحصيل الحق اصبح مسار طويل وبطيء فانه ينسحب او يتردد او يعيد تسعير المخاطر، وهذا ما انعكس على المشاريع الصغيرة والمتوسطة حيث ازدادت حالات التعثر وخرجت منشات من السوق بهدوء مقلق.
ولم يتوقف الاثر عند حدود التحليل النظري بل امتد الى الواقع التجاري الملموس، اغلاق المحلات التجارية لم يعد حالة فردية بل ظاهرة تتوسع خصوصا في القطاعات التي كانت تعتمد على الشيكات كعصب رئيسي للدورة المالية.
تجار المواد الاولية لعديد من المحال التجارية وخصوصا التجار الحركة المتوسطة كمثال تجار المواد التموينية ومواد التنظيف وسوق الموبايلات تلقوا ضربات موجعة، اذ تحولت التجارة من نشاط متنام الى محاولة للبقاء فقط نتيجة انهيار الثقة بالشيك وتقلص خطوط التوريد وضعف المخزون.
قطاع الإنشاءات السكانية والاجهزة الكهربائية تعرض لشلل حقيقي والمشاريع تباطأت والتجار شددوا شروطهم، ونتج عن ذلك سلسلة تعثر انعكست على العمالة والنقل والتخزين، واليوم يعمل هؤلاء التجار بمبالغ بسيطة جدا لا تعكس حجم السوق الحقيقي، فالتاجر الذي كان يضع عشرين ألف وثلاثين ألف في السوق أصبح يضع خمس الاف حتى يضمن حقة تاركا الباقي صمام أمان لعائلته بمفهوم تحت البلاطة متجاهلا اثر الاقتصاد على تجميد الأموال وربما هذه الوقائع الميدانية يعني تجاهل انهيار اقتصادي واضح، فاقتصاد تغلق فيه المحلات بصمت وتكسر فيه اعصاب التجار ليس اقتصاد محمي بل اقتصاد تحت ضغط، والاستمرار في هذا المسار دون اعادة بناء ردع تنفيذي سريع يعيد للشيك اعتباره هو مخاطرة مباشرة باستقرار السوق.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-12-2025 04:52 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||