18-12-2025 08:47 AM
بقلم : د. خالد الشقران
تعد الكلمة الرقمية اليوم عنصرا فاعلا في تشكيل الرأي العام، يمتد أثرها عبر الحدود وتشمل السياسة والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، حيث تحول الرأي المنشور على المنصات الرقمية إلى ملف دولي حساس تتداخل فيه حرية التعبير مع سلطة القانون، وتختبر من خلاله الدول قدرتها على تحقيق التوازن بين الحفاظ على الحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير وحماية المجتمع وصون الحقوق.
تقارير دولية حديثة كشفت عن اتساع ظاهرة التوقيف بسبب التعليقات والمنشورات الإلكترونية في عدد كبير من الدول عبر أرقام موثقة تشير إلى توقيف آلاف الأشخاص خلال عام واحد في دول معروفة بهوامش حرية واسعة، حيث سجلت بريطانيا أكثر من 12 ألف حالة توقيف، تلتها دول أوروبية وشرقية بأرقام مرتفعة، وهذه المعطيات تؤكد أن الرأي الرقمي بات إحدى أكثر القضايا تعقيدا في المشهد العالمي المعاصر.
وسط هذا الواقع الدولي المشحون، يبرز النموذج الأردني بوصفه حالة مختلفة تستحق التوقف عندها، حيث صنف تقرير Freedom on the Net 2024 الإنترنت في الأردن ضمن فئة "حر جزئيا"، مع استقرار في التقييم العام وتحسن واضح في البنية الرقمية وسهولة الوصول، لكن الأهم أن التقرير أشار بوضوح إلى أن التعامل القانوني مع المحتوى الرقمي يتركز في نطاق محدد، مرتبط بالإساءة الصريحة أو الاحتيال أو القضايا الأمنية الواضحة، دون توسيع دائرة التجريم لتشمل الرأي العام.
وفي الوقت نفسه، تظهر البيانات المقارنة أن الأردن خارج الدول التي تسجل أعدادا مرتفعة من التوقيفات المرتبطة بالتعليقات الإلكترونية، كما لم ترصد التقارير الدولية وجود ملاحقات واسعة أو حملات منظمة تستهدف الآراء المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يضع الأردن في موقع متقدم مقارنة بدول لجأت إلى استخدام القوانين الرقمية كأدوات ضبط شاملة للمجال العام.
أما قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن فقد جاء ضمن إطار تنظيمي محدد، يركز على حماية المستخدمين من الجرائم الرقمية والابتزاز والتشهير، ويعتمد مبدأ التمييز بين الرأي المشروع والسلوك الضار، مما يؤكد أن التدخل القانوني مرتبط بحالات واضحة، ويخضع لسياق قانوني محدد، الأمر الذي يعكس فهما عميقا لحساسية الفضاء الرقمي ودوره في التعبير والمساءلة.
وعند مقارنة التجربة الأردنية بدول سجلت آلاف التوقيفات الرقمية، تتضح ثلاث حقائق أساسية أهمها أن الأردن بعيد عن قوائم التوقيف المرتبطة بالتعليقات الإلكترونية، إضافة إلى عدم وجود مؤشرات على ملاحقات جماعية للرأي، ناهيك عن استدامة النقاش الوطني حول التشريعات الرقمية تشارك فيه السلطة التشريعية والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بهدف التطوير والتوازن.
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه القيود الرقمية على المستوى العالمي وتتقلص فيه مساحات التعبير، يثبت الأردن حضوره بنهج يقوم على التنظيم المسؤول، وحماية المجتمع، وصون الحق في التعبير، ومرسخا لنموذج وطني يرتكز على قيمة أساسية مفادها أن الاستقرار لا يتحقق بتكميم الاصوات، وأن القانون يفقد معناه عندما يتحول إلى أداة تضييق.
في المحصلة، تؤكد الأرقام والمقارنات الدولية أن الأردن اختار مسارا عقلانيا في إدارة الفضاء الرقمي، يحمي المجتمع دون تحويل الرأي إلى عبء قانوني، ويضع حرية التعبير في موقعها الطبيعي كإحدى ركائز الدولة الحديثة، وهو ما يحتاج إلى يقظة دائمة وتحديث مستمر، حتى يبقى الصوت العام حرا ومسؤولا، ويبقى القانون مظلة عدالة لا وسيلة ردع.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-12-2025 08:47 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||