15-12-2025 07:39 PM
سرايا - تراهن شركة فولكسفاغن بقوة على السوق الصينية، أكبر أسواق السيارات في العالم وأكثرها تنافسية. ويبرز السؤال المحوري اليوم: هل ستنجح هذه الرهانات في إعادة الشركة إلى موقعها القيادي؟
في هذا السياق، استثمرت الشركة الألمانية، التي كانت تهيمن سابقا على السوق بحصة تجاوزت 50%، نحو 3 مليارات يورو (3.5 مليار دولار) في إنشاء مركز ضخم للأبحاث والتطوير يعد الأكبر لها خارج الصين، وذلك في مدينة "خفي" بوسط البلاد، وهي مدينة هادئة نسبيا يبلغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة.
وقالت وكالة أسوشيتد برس، إن هذا الاستثمار يمثل تحولا جذريا عن النموذج التقليدي الذي اتبعته شركات صناعة السيارات الأجنبية في الصين لعقود طويلة، حيث كانت تعتمد على تطوير السيارات في الخارج ثم تصنيعها محليا، مع مشاركة التقنيات مع شركاء صينيين. غير أن الشركات الصينية الصاعدة تخلت سريعا عن هذا النموذج، ونجحت في تقليص مبيعات العلامات التجارية الأجنبية بصورة حادة.
وفي هذا السياق، قال توماس أولبريش، كبير مسؤولي التكنولوجيا في مجموعة فولكسفاغن في الصين: «لقد ولّى زمن هذا النموذج التجاري»، في إشارة واضحة إلى نهاية مرحلة الاعتماد على الابتكار المستورد.
فيما وصفه أولبريش بـ«التحول الجذري»، شرعت فولكسفاغن منذ عام 2022 في تنفيذ مراجعة شاملة لاستراتيجيتها تجاه السوق الصينية، واضعة المستهلك المحلي في صدارة أولوياتها.
وتعمل الشركة حاليا على تطوير سيارات مصممة خصيصا للسائقين الصينيين، وهي طرازات من غير المرجح أن تطرح في الأسواق الأوروبية، وإن كانت قد تجد طريقها لاحقا إلى أسواق الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
ومع بدء طرح هذه الطرازات الجديدة، ستختبر فولكسفاغن مدى قدرة هذا الاستثمار الضخم على مساعدتها في اللحاق بشركات صينية رائدة مثل BYD وجيلي، واستعادة جزء من حصتها السوقية المفقودة.
وترى ريلا سوسكين، محللة الأسهم المتخصصة في قطاع السيارات الأوروبي لدى «مورنينغ ستار»، أن هذه الاستراتيجية تمثل عنصرا أساسيا لاستعادة القدرة التنافسية في الصين. لكنها في الوقت ذاته توقعت أن تمكن هذه الخطوات الشركات الأجنبية من الحفاظ على حصصها الحالية أكثر من تمكينها من استعادة الخسائر التي تكبدتها خلال السنوات الأخيرة.
ويظل السؤال الأكثر إلحاحا: هل يمكن تحقيق الربحية في سوق شديدة التنافسية أدت إلى انخفاض الأسعار إلى مستويات وصفت بالمفلسة؟
كانت شركة أودي، التابعة لمجموعة فولكسفاغن، سباقة في هذا المسار، بإطلاقها هذا العام علامة تجارية جديدة تحمل اسم «AUDI» مكتوبا بالأحرف الكبيرة. كما تستعد فولكسفاغن لإطلاق مجموعة من الطرازات الجديدة في عام 2026، جرى تطويرها وفق شعار الشركة: «في الصين، من أجل الصين».
من جانبها، قالت كلير يوان، مديرة تصنيفات شركات السيارات الصينية في «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتينغز»: «يبقى السؤال الأهم: هل ستؤتي هذه الاستراتيجية ثمارها؟ علينا مراقبة التطورات، لكنني أعتقد أنهم يسيرون على الطريق الصحيح للحاق بالركب».
خلال السنوات الخمس الماضية، شهد السوق الصيني تحولات جذرية أدت إلى تخلف العديد من شركات صناعة السيارات الأجنبية عن المنافسة. فقد ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية لتمثل نحو نصف مبيعات السيارات الجديدة، في وقت بات فيه المستهلكون يتوقعون تجهيز سياراتهم بأحدث التقنيات الرقمية، من شاشات اللمس الكبيرة الشبيهة بأجهزة «آيباد»، إلى قدرات القيادة الذاتية، مثل الركن الآلي الكامل.
وفي سوق تمثل نحو ثلث مبيعات فولكسفاغن العالمية، لم تعد سيارات الشركة الخيار الأول كما كانت في السابق. فعلى مدى أربعة عقود، منذ بدء إنتاج سيارات السيدان في شنغهاي بالتعاون مع شركة سايك المملوكة للدولة، شكلت طرازات مثل سانتانا وجيتا العمود الفقري لأساطيل سيارات الأجرة، وكانت أول سيارة يقتنيها كثير من سكان المدن الصينية.
اليوم، بات لزاما على فولكسفاغن تحديث تشكيلتها بما يتماشى مع ما يعرف بـ«سرعة السوق الصينية». ويقول بيل روسو، الرئيس التنفيذي لشركة «أوتوموبيليتي» الاستشارية في شنغهاي، إن البقاء في هذا السوق يعتمد على القدرة على طرح طرازات وميزات جديدة بوتيرة متسارعة.
وتطرح شركات السيارات الكهربائية الصينية طرازات جديدة خلال 12 إلى 18 شهرا فقط، مقارنة بفترة تتراوح بين 3 و5 سنوات لدى شركات السيارات العالمية. ويؤكد روسو أن هذه الوتيرة «ليست خيارا، بل ضرورة، وهي عامل أساسي في تعزيز التنافسية العالمية».
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عمل أولبريتش في شمال شرق الصين، حين كانت فولكسفاغن تُصنّع سيارات السيدان بالتعاون مع شركة FAW الحكومية، مستوردة معظم المكونات من الخارج، من المقاعد إلى جنوط العجلات، لعدم توفرها محليًا آنذاك.
بعد مرور ثلاثين عامًا، تغيّر المشهد بالكامل. فاليوم، تصنع معظم المكونات في الصين، ويجري تصميمها هناك أيضا. ولتسريع تطوير المنتجات، منحت الإدارة المركزية لفولكسفاغن صلاحيات أوسع للفرع الصيني في اتخاذ القرار.
وسلكت شركات أجنبية أخرى مسارات مختلفة؛ إذ قلص بعضها وجوده أو انسحب من السوق الصينية بالكامل. في المقابل، اتبعت تويوتا نهجا مشابها لفولكسفاغن، ومنحت فرقها في الصين استقلالية غير مسبوقة في تخطيط المنتجات وتطويرها، وفق ما أوضحته يوان.
كما تسعى فولكسفاغن إلى الاستفادة من خبرات الشركات الصينية الناشئة في مجال السيارات الكهربائية، من خلال تعاونها مع شركة إكس بينغ، بهدف تسريع طرح الطرازات الجديدة وتطوير بنيتها الإلكترونية، أي نظام الكمبيوتر الداخلي الذي يدير وظائف السيارة كافة.
ويعكس هذا التوجه إدراكا متزايدا لدى الشركات الأجنبية بأن التعلم من الصين أصبح ضرورة، لا مجرد خيار. ويجمع كثيرون على أن سر تفوق الشركات الصينية يكمن في سرعتها في تحويل الأفكار إلى منتجات، بما يقلل تكاليف التطوير ويواكب احتياجات العملاء.
وفي هذا السياق، قال مارتن هوفمان، المدير التنفيذي في فولكسفاغن ورئيس غرفة التجارة الألمانية في شمال الصين: «تبادل المعرفة عملية ثنائية الاتجاه بين الصين وألمانيا».
ووفق استطلاع حديث أجرته الغرفة، أفاد نحو نصف الشركات من بين أكثر من 600 شركة مشاركة في الاستطلاع بأنها تتوقع أن يصبح المنافسون الصينيون روادا في مجال الابتكار خلال السنوات الخمس المقبلة، فيما قال 9% إنهم بالفعل في موقع الريادة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-12-2025 07:39 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||