حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,7 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7613

ماهر ماجد البطوش يكتب: الرواية الوطنية في رؤية ولي العهد: دستور ينطق، ووطن يعيد كتابة ذاته

ماهر ماجد البطوش يكتب: الرواية الوطنية في رؤية ولي العهد: دستور ينطق، ووطن يعيد كتابة ذاته

 ماهر ماجد البطوش يكتب: الرواية الوطنية في رؤية ولي العهد: دستور ينطق، ووطن يعيد كتابة ذاته

06-12-2025 03:21 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : ماهر ماجد البطوش
يشهد الأردن اليوم مرحلة مفصلية تتقاطع فيها الذاكرة الوطنية مع منطلقات الدستور، في إطار مشروع يقوده سموّ ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني لإعادة صياغة الرواية الوطنية بما يجعلها الإطار الجامع لتاريخ الدولة وقيمها واتجاهاتها المستقبلية. ولم يعد هذا التوجه مجرد عمل ثقافي، بل ممارسة دستورية راسخة، تستند إلى عمق المبادئ التي أرساها الدستور؛ فالمادة (1) التي تنص على أن " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الامة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي" لا تعد افتتاحية شكلية، بل قاعدة تأسيسية يستند إليها سموّه في ترسيخ معنى الدولة وتعميق حضوره في وعي الأردنيين وبناء إدراك مشترك لطبيعة رسالتها ودورها.
ويتداخل هذا المشروع مع المادة (24) من الدستور التي تعلن بوضوح أن "الأمة مصدر السلطات" بهذا المعنى لا تكتب السردية الوطنية في غرف مغلقة، بل تنسج في وجدان الشعب، لأن الهوية الوطنية ليست إرثاً رسمياً فقط، بل ملك لجميع الأردنيين الذين يصونونها بأصواتهم وتجاربهم وقصصهم. من هنا يجيء تصميم سموّ ولي العهد على إشراك المجتمع بأكمله في صياغتها، ليتحول النص الدستوري إلى واقع عملي، وتصبح الرواية الوطنية ترجمة حية لفلسفة الدولة.
ويتعانق هذا التوجه مع المادة (6) من الدستور التي جعلت الكرامة الإنسانية والعدل والمساواة أساساً للعلاقة بين الدولة والمواطن. فالقيم التي يؤكد عليها سموه ليست شعارات، بل امتداد طبيعي للمبادئ الدستورية التي أرساها المشرع. وحين تتجذر هذه القيم في الرواية الوطنية، تتحول من نصوص إلى سلوك، ومن مواد قانونية إلى وجدان مشترك يربط الأردني بذاته وبدولته وبغيره من أبناء وطنه.
ومع انطلاق هذا المشروع، يصبح التوثيق الوطني أحد أعمدته المركزية، متكئاً على قانون الوثائق الوطنية رقم 9 لسنة 2017 الذي يفرض في المادة (4) منه على جمع الوثائق وتنظيمها بما يحفظ تاريخ الدولة من التزوير والضياع. هذا القانون ليس منفصلاً عن رؤية سموّ ولي العهد، بل يشكل مرجعاً قانونياً مباشراً لضرورة ترتيب الذاكرة الوطنية وترسيخها بطريقة علمية وموثوقة، وكأنه يضع القواعد الفنية لتوثيق السردية الوطنية نفسها، بصرامة ودقة وشفافية.
ومع اتساع المشروع ليشمل المجتمع بأكمله، تتداخل الرؤية مع القوانين الإصلاحية الحديثة، مثل قانون الإدارة المحلية الذي يؤكد في مادته (3) على تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وقانون الأحزاب وقانون الانتخاب اللذين يشجعان على المشاركة السياسية وتوسيع دائرة الانتماء. وهكذا تصبح السردية الوطنية إطاراً حياً لتفعيل هذه القوانين، لأنها تعطي المواطن دوراً في كتابة القصة الوطنية، لا في قراءتها فقط.
ويستمر هذا التداخل بين القانون والهوية في مواجهة التحديات الحديثة، مثل تضليل المعلومات وخطاب الكراهية، وهما موضوعان عالجتهما نصوص قانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 لسنة 2023م، الذي يحمي حق المجتمع في معرفة الحقيقة ويحافظ على نسيجه الاجتماعي. وإذ يعيد المشروع الوطني كتابة الذاكرة، فإنه يعمل بالتوازي على حمايتها، لتبقى ثابتة في مواجهة ما قد يشوهها أو يحرفها عن مسارها.
لكن خلف هذا البناء القانوني المتين، يكمن البعد الإنساني العميق للرواية الوطنية. فهي ليست صفحات جامدة، بل هي سرد ينبض بروح الأردنيين: من جهد العمال الذين صنعوا اقتصاد الوطن، إلى صبر الأمهات اللواتي حفظن البيوت بالقيم، إلى حلم الشباب الذين يرون في المستقبل فرصة ومساحة لابتكارهم. وهي أيضاً امتداد لرسالة الهاشميين الذين حملوا مشروع النهضة العربية وكتبوا تضحياتهم بالحبر والدم.
إن مشروع ولي العهد ليس إعادة تدوين للتاريخ، بل إعادة اكتشاف للذات الأردنية، وربط بين ما حمل من الماضي وما يبنى للمستقبل، عبر جسر من القانون والوجدان. فالسردية الوطنية في رؤيته هي وعد دستوري جديد: وعد بأن تبقى الدولة قوية بهويتها، محصنة بقانونها، متماسكة بقيمها، ومشرقة بأبنائها.
وهكذا، يصبح هذا المشروع دعوة مفتوحة لكل أردني كي يكون جزءاً من الرواية، لا متلقياً لها فقط؛ ليكتب مع دولته مستقبلاً يعتمد على الوعي، وعلى سيادة القانون، وعلى حكاية وطن لا تنطفئ، لأن من كتبها هو شعبه، ومن يحميها هو دستوره، ومن يقودها هو ولي عهده.











طباعة
  • المشاهدات: 7613
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-12-2025 03:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم