حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,27 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3252

إضاءة على رواية حين ينطق الصمت للكاتبة آلاء بركات

إضاءة على رواية حين ينطق الصمت للكاتبة آلاء بركات

إضاءة على رواية حين ينطق الصمت للكاتبة آلاء بركات

27-11-2025 09:44 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - ما الذي يمكن أن يُقال بعد صمتٍ طويل؟ وما الذي يمكن أن ينطق به الصمت ذاته؟ ربما يحمل الصمت في طياته الكثير من الأفكار والمعاني، والكثير من الأسئلة المُحرّمة، وربما يفتح أبواباً واسعة لما هو مسكوت عنه. فهل هو صمت فردي أم جماعيّ؟

بهذه الروح، تحاول آلاء بركات أن تُنطق الصمت بطريقتها الخاصة، وهي تدرك تماماً أن كل من يجرؤ على نبش ما استقر في الوعي الجمعي، وما أصبح متفقاً عليه اجتماعياً، يظهر خارجاً عن المألوف، وغير ملتزم بالأعراف والقوانين، وقد يُرفض أو يُحاسَب. وتأتي روايتها الأولى «عندما ينطق الصمت» لتكشف عن هذا التحدي. فما مقولتها؟ وبماذا سينطق ذلك الصمت؟

من الصفحات الأولى نتعرّف على «ربا»، الشخصية الرئيسية، ونقترب من عالمها ومن المدينة التي نشأت فيها. تقول ربا:

«كل شيء هناك يعيد تشكيلنا على مهل، كأننا نُسكب في قوالب لا تنكسر. الجدران لم تُطوّق المدينة فقط، بل استقرت في أجسادنا واستوطنت أفكارنا. كان الزمن منقسماً لا إلى أيام... بل إلى محظورات: ما هو محرم كالحدود المرسومة بالدم، وما هو عيب كقماش خانق يضغط على الصدر كلما حاول أن يتنفس.» ص 8

تصف الكاتبة عالم المرأة في مدينة مختنقة بالمحرمات، من خلال حكاية ربا، فتنقل تفاصيل طفولتها وكيف جرى «تشذيبها» وخنقها هي وكثيرات من بنات جيلها بالقهر والقسر، بفعل أنظمة تربوية واجتماعية ودينية متصلّبة، سواء في البيت أو الشارع أو المدرسة. وتعرض الكاتبة أساليب القمع الموجهة نحو كل من يجرؤ على الاختلاف أو السؤال، وتصور بشاعة العقاب الذي يطال كل محاولة للخروج عن السائد.

تتبع بركات حكاية ربا عبر جميع مراحل حياتها، من الطفولة إلى الجامعة، فترسم الأحداث والمشاهد بدقة لافتة، وتبين تطور وعيها وتميّزها عن محيطها. ثم تنتقل إلى مرحلة زواجها، فتكشف لنا زوجاً بلا ملامح، ضعيف الشخصية، مسلوب الإرادة، وخاضع لهيمنة والدته القاسية. وتواصل ربا محاولة العيش، مقدّمةً الكثير من التنازلات على أمل التغيير، لكن القهر يتفاقم، والصراع الداخلي يتسع، وصولاً إلى لحظة الرفض والتمرد على قيود تخنقها وتجعلها تشعر بأنها حية وميتة في آن. وقد قدّمت الكاتبة هذه التجربة بسرد واقعيّ سلس ومتقن.

وتبرز جرأة الرواية في تقديم أفكارها ومشاهدها وحواراتها الدقيقة، بلغة عالية ومؤثرة، وقدرة على التقاط ما وراء المشهد، كما يتجلى في وصف أجواء الجامعة:

«بدت الجامعة كفسحة للانعتاق، لكن القيود فيها كانت أذكى حرية بأربطة حريرية، تتيح لكِ التنفس بشرط ألّا تملكي رئتيكِ حقاً. لوحات إعلانات تتدلى كأحلام لامعة: ريادة، مستقبل، ابتكار لكن خلف كل شعار باب مغلق لا يُرى.»

من الواضح أن الكاتبة تقرأ الواقع وما وراءه، وتحلل ما يدور حولها بوعي لافت، كاشفةً عن الكثير مما قد يمرّ بنا دون أن ننتبه.

وفي رشاقة سردية ظلّ سؤال الرواية الكبير يتكرر:

هل التفكير، أو مجرد السؤال، يُعدّ خروجاً عن الدين أو الأخلاق؟

تحمل الرواية هذا السؤال، ومعه أسئلة كثيرة أخرى، عبر سرد رشيق ولغة متينة تتعمق في دواخل الشخصيات، وتلامس طباعها وطرائق تفكيرها، وتصل إلى حدود البلاغة في توصيف المشاعر والصراعات. جاءت اللغة سردية واقعية، دقيقة في معالجة الأحداث، وفي تقديم حوارات موضوعية موزعة على كامل النص.

كما جاء بناء الشخصيات متقناً وواقعياً دون مبالغة، مما أكسب الرواية صدقاً فنياً واضحاً.

وتُحسب للكاتبة جرأتها في مناقشة عدد من المفاهيم الاجتماعية والدينية الموروثة التي تشكل قناعات راسخة لدى الغالبية، والتي قد تتحول في بعض الأحيان إلى قيود أمام حرية التفكير والإرادة. وقد نجحت في معالجة ذلك بسلاسة وبمنطق عقلاني، وأثارت جملة من القضايا المسكوت عنها، خصوصاً ما يتعلق بالمرأة.

فهل نجحت آلاء بركات في أن تُنطق صمت الكثير من النساء عبر هذه الرواية؟

السؤال يبقى مفتوحاً، والإجابة يكمّلها القارئ.











طباعة
  • المشاهدات: 3252
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-11-2025 09:44 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم