23-11-2025 09:14 AM
سرايا - تتحرك قطر بخطى مدروسة نحو تعزيز حضورها في آسيا عبر توسيع شراكاتها الاستثمارية مع قوى اقتصادية متقدمة، في مسعى يرسخ موقعها كلاعب رئيسي في تدفق رؤوس الأموال الخليجية نحو الأسواق المتطورة، وعلى رأسها اليابان.
يأتي ذلك في وقتٍ تشهد فيه العلاقات الاقتصادية بين الخليج واليابان تحولات نوعية مدفوعة ببحث الطرفين عن تنويع الشراكات وتبادل الخبرات الاستثمارية، فيما تسعى طوكيو إلى جذب رؤوس أموال جديدة تدعم نموها الصناعي والتقني.
صندوق مشترك
وفي خطوة تُعد الأولى من نوعها داخل سوق الأسهم الخاصة اليابانية، يعتزم "جهاز قطر للاستثمار" التعاون مع شركة "أوريكس كورب" اليابانية لتأسيس صندوق استثمار مباشر بقيمة 2.5 مليار دولار، يستهدف الشركات اليابانية الواعدة.
ونقلت وكالة بلومبيرغ، في 11 نوفمبر 2025، عن مصادر مطلعة أن "أوريكس" ستسهم بنحو 60% من رأس المال، فيما يتولى "جهاز قطر للاستثمار" تمويل نسبة 40% المتبقية، على أن يُدار الصندوق من خلال كيان مشترك يُعرف باسم (OQCI GP)، حيث يكون الطرفان شريكين محدودين ضمن هيكله الاستثماري.
ويستهدف الصندوق الجديد الاستثمار في شركات يابانية تتجاوز قيمتها المؤسسية 30 مليار ين (نحو 195 مليون دولار)، مع تركيز خاص على صفقات انتقال الملكية بين الأجيال، وتحويل الشركات المدرجة إلى شركات خاصة، إضافة إلى إعادة هيكلة الأصول غير الأساسية في التكتلات الكبرى.
ويأتي هذا التحرك - بحسب بلومبيرغ - في سياق تنامي أنشطة الاستحواذ داخل اليابان، حيث تعمل الحكومة اليابانية على تحسين الحوكمة المؤسسية وتشجيع الشركات على بيع أصولها الثانوية.
وهذا فتح الباب أمام مستثمرين دوليين كبار مثل "بلاكستون" و"كيه كيه آر" للاستفادة من الفرص الجديدة، خصوصاً في ظل التحديات التي يواجهها أصحاب الشركات المسنون في مسألة خلافة الإدارة.
وبحسب المصادر ذاتها، تسعى "أوريكس"، ومقرها طوكيو، إلى تعزيز كفاءة توظيف رأس المال عبر هذه الشراكة، وتوسيع استثماراتها في التكنولوجيا والطاقة المستدامة والخدمات المالية، بدلاً من الاعتماد الكامل على ميزانيتها الخاصة.
ويمتلك "جهاز قطر للاستثمار" أصولاً تتجاوز 500 مليار دولار، ويُعد من أكثر الصناديق السيادية نشاطاً في آسيا، مع محفظة تشمل استثمارات في شركات، ويُنظر إلى دخوله السوق اليابانية على أنه امتداد لاستراتيجيته لتنويع الاستثمارات بعيداً عن قطاع الطاقة.
انفتاح استثماري
وتعكس التصريحات المتبادلة بين الجانبين روح الانفتاح الاستثماري التي تشهدها العلاقات القطرية اليابانية، في ظل سعي كل طرف لترسيخ حضور طويل الأمد في الأسواق ذات النمو المستقر.
وفي تصريحات رسمية نشرتها وكالة الأنباء القطرية في 11 نوفمبر 2025، وصف الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، محمد بن سيف السويدي، اليابان بأنها وجهة استراتيجية طويلة الأجل في استثمارات الجهاز غير المدرجة.
وأكّد السويدي أن الشراكة مع "أوريكس" تمثل فرصة مميزة لخلق قيمة مضافة والتعاون مع شركات يابانية رائدة.
وأضاف أن الجهاز "سعيد بأن يكون أول شريك دولي لمجموعة "أوريكس"، في صندوقها الأول للأسهم الخاصة في اليابان منذ تأسيسها قبل 60 عاماً"، معتبراً أن التعاون الجديد سيُسهم في تمكين الطرفين من استكشاف فرص استثمارية واعدة في السوق اليابانية.
من جانبه، أكد رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "أوريكس"، ماكوتو إنوي، أن التعاون مع الصندوق السيادي القطري "خطوة استراتيجية مهمة نحو تعزيز القيمة المالية للشركات اليابانية ذات إمكانات النمو الكبيرة".
وأشار إلى أن استقطاب مستثمرين خارجيين سيُسهم في رفع كفاءة رأس المال وتطوير أعمال إدارة الأصول لدى المجموعة.
ويأتي إطلاق الصندوق في ظل انتعاش متزايد في سوق الاندماج والاستحواذ اليابانية، بعد أن أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة توجيهات لتعزيز الحوكمة، واستجابة بورصة طوكيو لدعوات تحسين الهياكل الإدارية للشركات.
ومع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية واستقرار الأوضاع الاقتصادية، يسعى الجانبان إلى تعزيز القيمة المؤسسية للشركات اليابانية والمساهمة في تطوير الصناعة الوطنية عبر نموذج شراكة طويلة الأجل.
فرص واعدة
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد عقل أن التوسع الاستثماري القطري ودخول أسواق جديدة يُعَدّ خطوة إيجابية بالغة الأهمية، إذ يعكس بدء تعافي الاقتصاد العالمي والإقليمي بعد مدة طويلة من الأزمات والضغوط.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن اختيار اليابان تحديداً يحمل دلالات لافتة، لكونها دولة متقدمة تكنولوجياً، وتضم فرصاً استثمارية واعدة يمكن أن تشكل قاعدة لشراكات نوعية في المرحلة المقبلة.
ويشير عقل إلى أن هذا التوجّه يبرز أيضاً مستوى الثقة الدولية التي تحظى بها قطر وشركاتها، إضافة إلى ما يُظهره من ذكاء استثماري مبني على التنويع الجغرافي والقدرة على قراءة فرص الأسواق المختلفة.
ويبين أن المعرفة التكنولوجية اليابانية والخبرات المتراكمة في شركاتها الكبرى تتيح مجالاً لتأسيس شراكات مؤثرة، خصوصاً مع ما تملكه قطر من خبرة واسعة في قطاع الطاقة واستثمارات عالمية راسخة.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن هذا التعاون قد يشكّل بداية لشركات عملاقة مستقبلية، مستفيدة من التكامل بين السوقين الخليجي والياباني، اللذين يُعدّان معاً قوة استهلاكية واقتصادية لا يُستهان بها.
ويوضح أن حجم الاستثمارات المتوقعة يعكس جدية الطرفين، خصوصاً مع الحضور الياباني في مجال الطاقة، الذي لا يقتصر على النفط والغاز، بل يمتد إلى الطاقة المتجددة والمصادر الجديدة التي باتت دول الخليج، وقطر خصوصاً، توليها أهمية متزايدة.
ويردف عقل أن جهاز قطر للاستثمار يمتلك خبرة راسخة تؤهله لصناعة قيمة مضافة في هذه الشراكات، بما يمهّد لنجاحات كبيرة خلال السنوات المقبلة.
ويرى أن التحركات الاستثمارية الحالية تنسجم تماماً مع السياسة الاقتصادية لقطر، القائمة على تنويع مصادر الدخل وتعزيز التنمية المستدامة، وهو ما يشكل ركناً أساسياً من رؤية قطر 2030.
ويخلص عقل إلى أن العلاقات القطرية اليابانية تمرّ بأفضل مراحلها، ما يعزز فرص نجاح هذا المسار الاستثماري وتحقيق عوائد استراتيجية كبيرة للطرفين.
خطوة استراتيجية
وتؤكد القراءات الاقتصادية أن الشراكة بين الدوحة وطوكيو لا تقف عند حدود الاستثمار المالي، بل تمثل تحولاً نوعياً في طبيعة التعاون الخليجي الآسيوي، مع انتقال التركيز نحو الاقتصاد الحقيقي وتبادل الخبرات التقنية والصناعية.
ويصف الخبير الاقتصادي، أحمد الخنجي، الشراكة القطرية اليابانية بأنها خطوة استراتيجية فريدة، بالنظر إلى طبيعة الاقتصاد الياباني الذي يُعدّ رابع أكبر اقتصاد في العالم ويتميز باستقرار ونمو ثابتين على مدى عقود.
ويرى الخنجي في تصريح لتلفزيون قطر، في 11 نوفمبر الجاري، أن دخول جهاز قطر للاستثمار إلى السوق اليابانية عبر صندوقه المشترك مع شركة أوريكس، يمثل تحركاً مدروساً نحو الاستثمار في الشركات العائلية المتوسطة والكبيرة، وهي فئة تشهد حالياً موجة من انتقال الملكية الإدارية في اليابان، ما يفتح فرصاً واسعة أمام رؤوس الأموال الأجنبية.
وأوضح الخنجي أن نحو 50% من الشركات العائلية اليابانية تشهد حالياً عمليات توارث إداري، وهو ما يتيح للصناديق السيادية - مثل الصندوق القطري - الدخول في استثمارات حقيقية ذات أثر طويل المدى، لا تقتصر على العائد المالي فقط، بل تمتد لتشمل تعزيز العلاقات الاقتصادية وتبادل الخبرات الصناعية والتكنولوجية.
وأضاف أن هذه الخطوة ترسخ مكانة قطر الاستثمارية في آسيا، وتنسجم مع توجهات جهاز قطر للاستثمار نحو الاقتصاد الحقيقي في قطاعات حيوية كالروبوتات والتكنولوجيا والسيارات والرعاية الصحية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هذه التجربة تمثل نموذجاً للتكامل بين رأس المال الخليجي والخبرة اليابانية، مشدداً على أن الاستحواذات في السوق اليابانية تتسم بالمرونة والانفتاح، ما يجعل الشراكة أكثر قابلية للنجاح ونقل الخبرات إلى السوق القطرية مستقبلاً.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-11-2025 09:14 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||