19-11-2025 01:15 PM
بقلم : الدكتورة ريم الصقور
منذ صدور قرار عدم حبس المدين تغيّر شكل السوق الأردني بالكامل. القرار الذي قيل إنه جاء “لإنصاف المتعثر الحقيقي” تحوّل على أرض الواقع إلى ثغرة ضخمة تسلّل منها كل من لا ذمّة له. فجأة، أصبح النصّاب والسرسري يتحركان بثقة غير مسبوقة، يعرفان تمامًا أن القانون الآن يقف إلى جانب من يتهرّب… لا من يلتزم.
1. انعدام الردع… ونمو طبقة جديدة من “المحميين”
كان التاجر والشاري والمورّد يعرفون سابقًا أن الشيك وسيلة ضمان. التزام. كلمة.
اليوم؟
أصبح الشيك مجرّد ورقة.
والموقّع الذي لا يسدّد يعرف أن أقصى ما قد يواجهه هو “مطلوب مالي” ينام فوق حافة الهاتف، بينما هو يتجوّل، يسافر، ويستمر في الشراء والبيع وكأن شيئًا لم يكن.
هكذا، وبدون أي مبالغة، صنع القانون طبقة جديدة من “المحصّنين”:
أشخاص يأخذون بضائع الناس ويتدلّعون في السداد، يتذاكون، يتوارون، ويستخدمون نفس الثغرة مرة بعد مرة.
2. انهيار الثقة… وهو أخطر ما يمكن أن يحدث لاقتصاد دولة
أي اقتصاد في العالم قائم على شيء واحد: الثقة.
وحين تُضرب الثقة، لا يعود المال يدور، ولا يعود التاجر يبيع، ولا يعود المورد يجرؤ على إعطاء بضاعة بالدين أو الشيك.
اليوم، الشارع التجاري كاملًا يعيش على أعصابه.
البيع بالدين توقّف.
التجار أصبحوا يدفعون إيجارات ومحلات فارغة.
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة—العمود الفقري لأي اقتصاد—بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى.
القرار الذي جاء “لتخفيف الاكتظاظ” أدّى عمليًا إلى خنق السوق.
3. شلل حقيقي… لا يسمّونه رسميًا، لكن التجار يعرفونه جيدًا
السوق متجمّد.
حركة الشراء أضعف من أي وقت.
المصانع تنتج أقل.
الأموال محبوسة ومتروّسة عند أشخاص استغلّوا الثغرة وأعلنوا لأنفسهم “عفوًا شخصيًا” على كل دين.
النتيجة؟
شلل اقتصادي لا يمكن تجميله بالكلام.
4. القرار ظلم المتعثر الحقيقي بدل إنصافه
المتعثر الحقيقي—صاحب العائلة، التاجر الصغير، الموظف اللي مرّ بظرف—هو أكثر شخص تضرّر من الفوضى التي خلقها القانون.
لماذا؟
لأن التجار الآن لا يثقون بأحد.
لا شيك ولا كمبيالة ولا وعد بالسداد.
حتى المتعثر الشريف أصبح يُعامل وكأنه نصّاب، فقط لأن القانون فتح الباب للمتلاعبين.
5. لا اقتصاد يُبنى عندما يصبح النصّاب أقوى من التاجر
هذه حقيقة مؤلمة، لكنها الواقع اليوم.
عندما يصبح التاجر الشريف هو الطرف الضعيف، والنصّاب هو الطرف الذي ينعم بالحماية، فالسوق لن يستقيم، ولن يتعافى، ولن يتقدّم.
---
الخلاصة
قرار عدم حبس المدين لم يكن إصلاحًا.
كان زلزالًا اقتصاديًا هزّ التجار، ضرب الثقة، جمّد الحركة التجارية، وأعطى النصّابين فرصة ذهبية لم يحلموا بها.
إن لم يتم تعديل القانون وسدّ الثغرات فورًا…
فما بدأ كضربة للسوق قد يتحوّل قريبًا إلى انهيار منظومة كاملة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-11-2025 01:15 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||