18-11-2025 03:41 PM
بقلم : المحامي سند المحاسنة
في ظل البيئة الإقليمية المعقدة وتزايد الضغوط الاقتصادية محليًا، تجاوز الدور الأردني في الساحة الدولية المفهوم التقليدي للتمثيل السياسي. فجلالة الملك عبدالله الثاني يقود مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا، يهدف إلى توظيف المكانة السياسية الراسخة للأردن لخدمة الأولويات الداخلية وتثبيت أركان الاقتصاد الوطني. أن هذا التوجة الاستراتيجي يعني أن الدبلوماسية لم تعد تُدار بالخطابات والمراسيم، بل أصبحت تعتمد كليًا على الحركة الديناميكية والزخم المتواصل في بناء وتأسيس الشراكات الدولية التي تخدم الهدف الأسمى وهو دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز استقلالية القرار السياسي للدولة.
في هذا السياق المتجدد، تأتي الزيارات الملكية المكثفة التي قام بها جلالته مؤخراً إلى مختلف العواصم العالمية. هذه التحركات لم تكن مجرد جولات بروتوكولية، بل حملت أبعادًا سياسية وأمنية عالية، تهدف بالدرجة الأولى إلى ترسيخ الثقة الدولية بمكانة الأردن كلاعب فاعل وشريك مُمَكِّن في الاستقرار الإقليمي والدولي. هذا المسعى المتواصل والنشط يقوم على توظيف الثقل السياسي والأمني للمملكة، لبناء شبكة دعم وتحالفات تفتح الأبواب أمام الفرص الاستثمارية وتنويع الشركاء الاقتصاديين. هذا التحرك ليس مجرد تواصل بين دول، بل هو خطوة ضمن رؤية ملكية تسعى لتثبيت صورة الأردن كبيئة آمنة وموثوقة وواحة استقرار، وانني اجزم ان هذا هو الأساس والمرتكز الذي لا يمكن بناء اقتصاد جاذب ومستدام إلا عليه.
في المقابل، هذا الجهد الملكي على الساحة الدولية لا يكتمل إذا لم يجد فريقًا داخليًا قادرًا على تحويل الجهود الملكية إلى واقع ملموس. فالدبلوماسية الملكية تفتح الأبواب، لكن مسؤولية عبور تلك الأبواب تقع على عاتق المسؤولين في الداخل. إن أساس هذا العبور هو إرساء سيادة القانون الكاملة، لضمان حماية الاستثمارات وحقوق جميع الأطراف، والمطلوب اليوم تكثيف الجهود بإدارة اقتصادية واضحة، ورقابة عالية الدقة، وشفافية، وقدرة على الاستجابة السريعة للمستثمرين. فلا يعقل أن يعمل جلالة سيدنا على المستوى الدولي بلا توقف، بينما تبقى بعض المؤسسات الداخلية غارقة في البيروقراطية، أو غير قادرة على فهم حجم الجهد العظيم الذي يُبذل من أجل الأردن أو عاجزة عن اتخاذ قرار.
إن واجب المسؤول اليوم هو أن يواكب هذه الدينامية، ويستشعر أن المملكة تمر بمرحلة تحتاج فيها كل مؤسسة وكل إدارة إلى رفع مستوى الأداء في إرساء العدالة وتقديم المعاملة العادلة، التي بدورها تجذب الاستثمار. فالمطلوب من المسؤولين ليس الاكتفاء بخطابات الثناء على الجهود الملكية، بل ترجمة هذه الجهود إلى نتائج ملموسة تخدم المواطن وتنهض بالوطن، وتقدم صورة جديدة عن الإدارة العامة. والمطلوب أيضًا وضوح في السياسات، وقدرة على مواجهة التحديات بدل الهروب منها. يجب أن تكون سيادة القانون هي البوصلة لضمان جاذبية البيئة الاستثمارية. فالدولة التي يتحرك قائدها بهذه القوة لا يجوز أن يتباطأ مسؤولوها، ولا أن تبقى عمليات التنفيذ أضعف من حجم الطموح الوطني.
وفي الختام، فإن ما يقوم به جلالة الملك هو فعلاً مشروع وطني متكامل يهدف إلى حماية وتطوير الاقتصاد الأردني وبناء مستقبل مشرق للأردن. غير أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة المؤسسات الداخلية على مجاراة هذه الدينامية، وتوفير بيئة اقتصادية لاستقبال الفرص الاستثمارية. فالمسؤول الذي يدرك حجم الجهد الملكي ونبل أهدافه أن لا يكتفي بالتنظير والمراقبة وبكثافة الاجتماعات والمظاهر الإعلامية، بل واجبه أن يبذل قصارى جهده لخدمة الوطن والقائد، وأن يترجم ما يبذله جلالة سيدنا إلى واقع تنموي يشعر به المواطن.
حفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني وأعانه، وحمى الله الأردن وطناً قوياً عزيزاً. ووفق المسؤولين جميعاً ليكونوا على قدر الثقة والمسؤولية في ترجمة الرؤية الملكية إلى إنجاز يخدم الوطن والمواطن.
الكاتب: م. سند المحاسنة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-11-2025 03:41 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||