09-11-2025 08:30 AM
بقلم : د. مخلد البكر
يشهد الغرب تحولاً لافتاً في المشهد السياسي للمدن الكبرى، مع صعود شخصيات مسلمة إلى مواقع قيادية بارزة، فبعد انتخاب صادق خان رئيساً لبلدية لندن عام 2016، جاء فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك ليؤكد هذا الاتجاه نحو الانفتاح والتنوع.
ويُعدّ فوز ممداني محطة سياسية بارزة في تاريخ الولايات المتحدة، فهو أول مسلم يتولى هذا المنصب في نيويورك، ما يعكس تغيراً واضحاً في وعي الناخبين الذين باتوا يركّزون على الكفاءة والبرامج الواقعية المتعلقة بالسكن والمواصلات والعدالة الاجتماعية، بدلاً من الانتماءات الدينية أو العرقية.
هذا التحول يعبّر عن نضجٍ "مدني" متزايد، وقدرة المجتمع الأمريكي على تجاوز الصور النمطية والخطابات المعادية للمسلمين والمهاجرين، خاصة بعد سنوات من التوتر على المستوى المجتمعي والإعلامي والسياسي تجاه الأقليات، فاختيار الناخبين لمرشح مسلم من أصول مهاجرة –حصل على الجنسية الامريكية قبل سبع سنوات فقط - يرسل رسالة واضحة بأن الثقة تُمنح على أساس العمل لا الهوية وعلى اساس الكفاءة لا العرق ولون البشرة.
وتتشابه تجربة ممداني مع تجربة صادق خان في لندن، فكلاهما يمثل نموذجاً للقيادات الجديدة المنحدرة من أسر مهاجرة استطاعت أن تفرض حضورها بفضل الكفاءة والالتزام بقضايا الناس. ومن خلالهما، تُثبت المدن العالمية الكبرى أنها الأكثر استعداداً لتجسيد قيم الانفتاح والتعايش.
سياسياً، يُعد ممداني من أبرز وجوه التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، الداعي إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وخفض تكاليف المعيشة وتطوير الخدمات العامة، ويعزز فوزه نفوذ هذا التيار داخل الحزب، كما يوجّه رسالة أمل للأقليات والشباب بأن المشاركة السياسية قادرة على إحداث تغيير حقيقي.
أما على المستوى الدولي، فإن صعود شخصيتين مسلمتين إلى قيادة مدينتين بحجم نيويورك ولندن يقدم صورة إيجابية عن الغرب، بوصفه فضاءً يقدّر الكفاءات ويمنح الفرص للجميع، بغض النظر عن الدين أو الأصل، وهو ما يؤكد أن الديمقراطية الغربية ما زالت قادرة على تجديد نفسها ومواجهة النزعات الانغلاقية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل كان لطوفان الأقصى تاثير مباشر في فوز ممداني، لا شك انه حدث تغيّر في مزاج بعض فئات الناخبين، خاصة بين الشباب الأمريكي، والمسلمين، والمهاجرين من أصول عربية وجنوب آسيوية، اذ شعر هؤلاء أن مواقف ممداني تعبّر عنهم أكثر من السياسيين التقليديين، وهو ما ساعد في تعزيز شعبيته ضمن القاعدة التقدمية في الحزب الديمقراطي، الا ان تجربة صادق خان التي سبقت طوفان الاقصى بسبع سنوات توضح ان الامر له علاقة بحالة الوعي والنضج المدني بشكل اعمق من اي سبب آخر مع عدم اغفال تاثير الاسباب الاخرى.
إن فوز زهران ممداني لا يمثل إنجازاً شخصياً فحسب، بل هو علامة على تحوّلٍ أوسع في الوعي السياسي والاجتماعي العالمي، نحو عالمٍ أكثر انفتاحاً وعدلاً، تُقاس فيه قيمة الإنسان بما يقدمه من عمل وفكر، لا بما يرثه من هوية أو أصل.
د. مخلد البكر
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-11-2025 08:30 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||