حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,5 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2413

د.نشأت العزب يكتب: الذهب والتكنولوجيا… استثمار في الخوف أم في الحياة؟

د.نشأت العزب يكتب: الذهب والتكنولوجيا… استثمار في الخوف أم في الحياة؟

د.نشأت العزب يكتب: الذهب والتكنولوجيا… استثمار في الخوف أم في الحياة؟

03-11-2025 11:47 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.نشأت العزب
في هذا العصر الذي تتغير فيه ملامح العالم كل صباح، ما زال بعض رجال الأعمال الكبار يعيشون بعقلية تاجر من القرون الماضية، يقيس الثروة بما يلمع لا بما يُبدع، يكدسون الذهب كما لو كان صكّ الأمان الأخير، ويهربون من التكنولوجيا كأنها لعنة لا يمكن الوثوق بها، في كل أزمة اقتصادية، يعودون إلى الذهب كما يعود الخائف إلى عاداته القديمة حين يعجز عن الفهم، يسمونه الملاذ الآمن، وكأن الأمان يُشترى بسبيكة لا تتنفس، لكن الذهب رغم كل هذا البريق لا يصنع شيئًا سوى الاطمئنان المؤقت، فالذهب لا يُنتج معرفة، لا يخلق وظيفة، لا يحرك فكرة، فقط يرقد في خزنةٍ باردة ينتظر من يتأمل لمعانه، ظاناً أنه امتلك المستقبل.

تكمن المفارقة في أن ارتفاع أسعار الذهب غالبًا ما يُحتفل به في نشرات الاقتصاد بينما في الحقيقة هو جرس إنذار لا علامة ازدهار، هو في الحقيقية يعد انعكاساً للخوف من المستقبل، فكلما ارتفع الذهب انخفض الإيمان بالمستقبل.
ان صعود الذهب يعكس حقيقة أن الناس تهرب من الأمل إلى الخوف، من الاستثمار في الحياة إلى الاحتماء بالمعدن، إن ارتفاع الذهب لا يدل على قوة الاقتصاد، بل على ضعف الإنسانية، هو انعكاس لقلق البشر من بعضهم، من الحروب، من فقدان الأمان، من ندرة الماء والغذاء، فما قيمة أن تملك أطنانًا من الذهب في عالمٍ لا ماء فيه ولا غذاء؟ ما معنى أن تمتلك ما يلمع، بينما ما يُبقيك حيًا يختفي؟ عندها سيكتشف الجميع أن الذهب لا يُشرب ولا يُؤكل ولا يحمي من الفوضى و لا يصنع حضارةٍ من دون عقلٍ يوظفه، فإن أكثر المعادن قيمة هو الضمير الإنساني لا المعدن الأصفر.

في الوقت الذي يُخزن فيه بعض رجال المال ثرواتهم تحت الأرض، هناك من يبني المستقبل فوقها، شاب يبتكر تطبيقًا يربط العالم، ومهندس يطوّر خوارزمية تُنقذ الأرواح، ومخترع يجرّب طاقة جديدة تحفظ الكوكب، هؤلاء لا يملكون ذهبًا، لكنهم يملكون عقلاً حيًّا يؤمن بالغد، الفارق بين الاثنين أن الأولين يعيشون في انتظار الأزمات ليستفيدوا منها، بينما الآخرين يصنعون المستقبل ليتجاوزوها.

رجال الأعمال الذين يضعون ملياراتهم في الخزائن يظنون أنهم أذكى من الآخرين، لكن في الحقيقة هم فقط أكثرهم خوفًا، يهربون من التغيير، يهربون من المجازفة، يهربون من فكرة أن المال بلا فكر لا قيمة له، إنهم لا يخافون خسارة الثروة، بل خسارة وهم السيطرة، يخافون من عالم لا تُقاس فيه القوة بما تملك، بل بما تقدّم، ولو أن جزءًا صغيرًا من هذه الثروات وُجّه إلى بناء الإنسان بدل تخزين المعدن، لتغير وجه الحياة في المنطقة كلها، عشر في المئة فقط من الأموال المكدّسة في الذهب كافية لتأسيس جامعات ومراكز أبحاث وشركات تكنولوجية تصنع واقعًا جديدًا.

لكن المشكلة ليست في غياب القدرة، بل في غياب الرؤية، الذهب لا يحتاج إلى فكر، فقط إلى الخوف!، بينما التكنولوجيا تحتاج إلى شجاعة، إلى إيمان بأن الفكرة قد تفشل لكنها تُحرّك العالم خطوة إلى الأمام، رجل الأعمال الحقيقي لا يقيس نجاحه بعدد الخزائن، بل بعدد العقول التي ساعدها على الإبداع، ومن أراد أن يترك أثرًا في التاريخ فليستثمر في الإنسان، لأن الإنسان وحده هو من يمنح الأشياء قيمتها.

لهذا، إن كان لا بد من نصيحة لرجال الأعمال اليوم، فهي أن يعيدوا النظر في مفهوم “الأمان”. الأمان ليس أن تمتلك ما لا يتغير، بل أن تملك القدرة على التغيّر، ليس أن تحتمي بما تعرف، بل أن تجرؤ على ما لم تعرف بعد، الأمان الحقيقي في الاستثمار في العقل والتعليم والبحث، لا في الذهب والعقارات، فالعقل حين يُغذّى بالفكر يولّد ثروة لا تُقاس بالجرام، بل بالإنجاز، والذهب، مهما تراكم، لا يستطيع أن يبني وطنًا ولا أن يُطعم فقيرًا.

لقد آن الأوان لأن يفهموا أن ارتفاع الذهب لا يعني أننا أغنياء، بل يعني أننا خائفون. وأن كل سبيكة جديدة تُشترى هي تصويت آخر ضد الثقة بالإنسان، يوماً ما، حين يشتد العطش وتنقطع سلاسل الإمداد، سيكتشف العالم أن لا فائدة من كل تلك السبائك عندما لا يجد ماءً ليشرب أو أمانًا ليعيش، عندها ستصبح الخزائن قبورًا ملوّنة، وسينظر أصحابها حولهم مدركين متأخرين أن القيمة ليست في ما يُخزّن، بل في ما يُمنح.

ولعل القدر يسخر الآن من أولئك الذين ينامون على أكوام الذهب مطمئنين، بينما العالم من حولهم يُعاد تشكيله بأيدي من لا يملكون سوى أفكارهم، سيضحك التاريخ كعادته، وسيسجل أن أكثر الناس ثراءً كانوا أقلهم فهمًا، أيها الأثرياء، ناموا على ذهبكم إن شئتم، فالأفكار لا تنام، والمستقبل لا ينتظر من يعيش في الماضي.











طباعة
  • المشاهدات: 2413
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
03-11-2025 11:47 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنتقل المعارك والمواجهات إلى الضفة الغربية بعد توقف الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم