02-11-2025 05:27 PM
سرايا - علاء القرالة- في الوقت الذي تضيق فيه مساحة الحركة أمام المالية العامة، وتتصاعد فيه التحديات الإقليمية والاقتصادية التي لا يبدو أن نهايتها قريبة، اختارت الحكومة أن تتجه موازنة 2026 نحو قرار لافت تمثل في زيادة الرواتب للعاملين والمتقاعدين بمقدار 274 مليون دينار، وهي الزيادة الأعلى منذ خمس سنوات، في خطوة تثير التساؤل هل تستطيع الحكومة ذلك؟.
القرار يبدو في ظاهره استجابة لمتطلبات المعيشة "ووفاء بالتزامات" الحكومة تجاه الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، لكنه في عمقه يفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول مدى قدرة الخزينة على تحمل كلفة هذا التوسع، خصوصا في ظل ارتفاع المديونية وضيق الحيّز المالي المتاح أمام الحكومة، وبدئها في تنفيذ مشاريع كبرى تحتاج إلى كل فلس متاح.
الأرقام الرسمية توضح أن مجموع رواتب الجهازين المدني والعسكري سيرتفع في عام 2026 إلى نحو خمسة مليارات دينار، فيما ستبلغ رواتب المتقاعدين حوالي مليار وثمانمائة وعشرين مليون دينار، ليصل إجمالي ما تدفعه الدولة سنويا على بندي الرواتب والتقاعد إلى أكثر من ستة مليارات دينار، أي ما يزيد على ثلث الموازنة العامة، وهذا الرقم بحد ذاته يشكل تحدياً لأي موازنة في العالم.
ورغم أن الحكومة تربط هذه الخطوة بجهودها لتحسين أوضاع العاملين والمتقاعدين وتثبيت استقرار الجهاز الإداري، فإن توقيت القرار يحمل دلالات لا يمكن إغفالها. فمع الانتقال إلى المرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي والإداري (2026–2029)، كان المتوقع أن تتجه السياسة المالية نحو مزيد من الانضباط وإعادة توجيه الموارد نحو المشاريع التنموية والاستثمارية، لا نحو توسيع الإنفاق الجاري الذي يستهلك الجزء الأكبر من الموازنة.
الوفاء بالالتزامات أمر محمود، لكن الاستدامة المالية لا تُبنى على النوايا الحسنة، بل على معادلة دقيقة توازن بين القدرة على الإنفاق والإنتاج الحقيقي للاقتصاد.
فالتوسع في الرواتب دون نمو موازٍ في الإيرادات سيعني مزيداً من الضغط على العجز والمديونية، ومزيداً من التحدي أمام قدرة الحكومة على تمويل أولويات التنمية أو مواجهة أي ظرف اقتصادي أو أمني طارئ.
خلاصة القول، إن زيادة الرواتب في موازنة 2026 تبدو سيفا ذا حدين؛ حد يمنح العاملين والمتقاعدين دفعة معنوية ومادية مستحقة، وحد اخر يضيق هامش المناورة أمام الحكومة في إدارة مديونيتها وعجزها، ويبقى الرهان على أن تبرهن الحكومة أن هذه الخطوة ليست استجابة ظرفية أو محاولة لامتصاص الضغوط، بل جزء من رؤية اقتصادية متكاملة تضع العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية على الكفة نفسها.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-11-2025 05:27 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||