30-10-2025 09:16 AM
بقلم : نضال أنور المجالي
في زمن الهيمنة الرقمية وتفشي سياسة "اخطف القارئ أو اخسره"، تحوَّل العنوان من بوصلة هادية إلى فخ منصوب. لم تعد الإثارة مجرد أسلوب، بل أصبحت أيديولوجية زائفة تُشرعن تضحية الحقيقة من أجل تحقيق "التريند" الرخيص. هنا، لا نتحدث عن خطأ غير مقصود، بل عن عملية تضليل ممنهجة تُهدد وعينا ونسيجنا الوطني.
إن المثال الصارخ الذي عَبَر ساحتنا الإعلامية مؤخراً، تحت عنوان: "الفراية يدعو طلبة الأردن ألا يكونوا عبئاً على الوطن"، ليس مجرد عنوان سيئ، بل هو بتر متعمد لسياق المسؤولية الوطنية، وتشويه فجّ لرسالة بناء قوية.
التضليل بالتجزئة: تشويه رسالة بناء الأمة
إن الإمعان في تفحص جوهر المقال يكشف حجم الجريمة المرتكبة بحق المعنى. كان النص يحمل في طياته نداءً وطنياً راقياً، داعياً إلى:
الوعي المجتمعي كخط دفاع أول، وليس كمطلب ثانوي.
التأكيد الصارم بأن الأمن الوطني ليس حكراً على الأجهزة، بل هو مسؤولية مشتركة غير قابلة للتفاوض.
الغاية العظمى بأن يصبح "النسيج الوطني بتماسكه مصدر قوة".
لكن، وبكل سذاجة أو خبث، تعمّد الكاتب والمُضلل اقتناص العبارة الأكثر سلبية ("ألا يكونوا عبئاً") ورفعها إلى واجهة الحدث.
الخطيئة المرتكبة: هي تحويل رسالة التحفيز الإيجابي للمشاركة والوعي إلى توبيخ صريح واتهام مبطن يضع فئة الشباب الأردني في قفص الاتهام، وكأنهم مصدر قلق بدلاً من أن يكونوا عماد المستقبل.
الحقيقة المُغتالة: كان العنوان يستوجب أن يكون صارخاً بالإيجابية والقوة، معبراً عن التلاحم، مثل: "الفراية يُلزم الجميع: الأمن الوطني مسؤولية مشتركة.. وبتماسكنا يصبح نسيج الوطن مصدر قوة".
انهيار الثقة: العواقب الوطنية للتضليل الإعلامي
إن اللحظة التي يكتشف فيها القارئ أنه تم خداعه بعنوان زائف، هي لحظة ولادة أزمة ثقة عميقة لا تقتصر على المنشور أو الكاتب فقط، بل تمتد لتضرب في صميم مصداقية المؤسسات الإعلامية.
كل عنوان مضلل، هو قذيفة تُطلق على مصداقية الكلمة. هذا التكرار الوقح للتدليس يؤدي إلى:
العزوف القاسي: عن المحتوى الجاد والرصين، لأن القارئ لم يعد يميز بين الذهب والزيف، فيختار الانعزال.
تسليع الأكاذيب: بانتشار المعلومة المشوهة التي يتم تداولها بكثافة بناءً على العنوان المبتور، فيتحول التضليل إلى حقيقة اجتماعية.
كلمة حق: لا مكان للتضليل في بناء الأوطان
مسؤوليتنا ككُتاب، وكأفراد في هذا الوطن، هي أن نكون حماة الحقيقة، لا سماسرة التضليل. لا يمكن لرسائل البناء الوطنية أن تنمو وتزدهر في غلاف مُزيَّف يخدش كرامة القارئ ووعيه. الكلمة الأولى يجب أن تكون عهد شرف للكلمات التي تليها.
لذلك، على كل من يمارس الكتابة أو النشر أن يدرك: إن الإثارة العاجلة هي رصاصة في جسد المصداقية الدائمة. لن تقف الأوطان على سيقان متراخية من العناوين المضللة، بل على قوة الحقيقة والصدق.
حفظ الله الأردن والأردنيين في ظل قيادة الهاشميين.
الكاتب نضال أنور المجالي
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-10-2025 09:16 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||