13-10-2025 08:41 AM
بقلم : نادية سعدالدين
لا شك بأن التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة ووقف نزيف الدم الفلسطيني، يشكل ضرورة مُلحّة تأخرت عامين كاملين. لكن بدون وجود ضغط إقليمي ودولي وضمانات حقيقية لتنفيذه؛ سيفتح الطريق أمام الاحتلال لاستغلال ثغرات تفاصيله لخرقه والتسبب بانهياره أو ادعاء المماطلة لاستئناف العدوان مرة أخرى بعد استراحة مؤقتة.
ولأن الاتفاق مُستوحى من خطة الرئيس «ترامب»، فهو يُعد مرحلة أولى ضمن إطار تفاوضي أكثر شمولاً، يشمل قضايا لاحقة مثل إعادة الإعمار ومستقبل الحكم في غزة وترتيبات أمنية على المدى البعيد، وليس حلاً نهائياً للصراع، أو تدشيناً لتسوية لا يقبلها الفكر الصهيوني المتطرف، مما يجعله هشاً وعُرضة سائغة للتقويض، ما لم تدعمه روافع إقليمية ودولية ضاغطة.
ولعل التجارب البائسة مع الاحتلال أثبتت أن اتفاقات التهدئة ووقف إطلاق النار غالباً ما سقطت بعد أيام أو أسابيع قليلة من إعلانها، بسبب غياب آليات المراقبة والضمانات الحقيقية، وتطويع الاحتلال لها وفق مصالحه السياسية والأمنية، والتعاطي معها كأدوات إدارة الصراع لا كالتزامات إستراتيجية، حتى تحولت اتفاقات غزة إلى محطات مؤقتة لتأجيل المواجهة، لا منعها.
ولربما يبدو اتفاق 2025 مختلفاً بسبب الواقع الجيوسياسي الأكثر تعقيداً من أي وقت مضى. حيث أضحت غزة نقطة تفاعل بين أطراف إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط. ومع تصاعد دورها في المنطقة، أصبحت «شرعية» أي اتفاق ومدى فاعليته مرهونة بقبول واسع منها. ومع ذلك، ورغم هذا التحول، ما يزال هناك خطر حقيقي بأن يتحول الاتفاق إلى ورقة سياسية عابرة، إذا لم يُدعم بمنظومة ضغط دولي فعال تفرض الالتزام، وتحاسب على الانتهاك.
إن هناك حاجة الى ضمانات واضحة لا تقبل التأويل، تتطلب: آليات مراقبة دولية شفافة على الأرض (كاميرات، فرق تفتيش، تقارير يومية)، جدولا زمنياً صارماً لكل بند في الاتفاق، عقوبات تلقائية ومعلنة ضد الطرف المُخل بالاتفاق يتم تفعيلها بدون الحاجة لإجماع سياسي مستحيل، وضامنين فعليين من قوى إقليمية ودولية لديهم أدوات ضغط حقيقية على الاحتلال (اقتصادية، سياسية، دبلوماسية).
ويُعد الضغط الدولي ضرورة؛ فالاحتلال لم يلتزم يوماً باتفاق سلام أو تهدئة من دون وجود كلفة حقيقية سياسية أو اقتصادية للخرق، وهذا ما أثبتته كل المحطات السابقة منذ اتفاق «أوسلو» (1993). ولا يعني الضغط الدولي هنا فقط بيانات شجب من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، بل يتطلب على سبيل المثال: إعادة تعريف العلاقة الدولية مع الكيان المحتل، بحيث يُربط أي تعاون اقتصادي أو أمني أو دبلوماسي بتقييدها بالقانون الدولي وتنفيذ الاتفاق، وتفعيل أدوات القانون الدولي، كفتح ملفات خروقات وقف إطلاق النار أمام محكمة الجنايات الدولية، عدا عن خلق ضغط شعبي عالمي من خلال الإعلام والمجتمع المدني بما يُحرج صانعي القرار في العواصم الداعمة للاحتلال.
إن مسألة توفر الضمانات والضغط الدولي ليس فقط مطلباً تفاوضياً وشرطاً أخلاقياً وسياسياً لحماية حق الشعب الفلسطيني بالحياة، ولكنه، أيضاً، وسيلة لمنع استغلال الاحتلال للثغرات الكامنة في بنود الاتفاق سبيلاً لخرقه واستئناف العدوان على غزة، ويتمثل أبرزها في:
أولاً: غموض الجدول الزمني للتنفيذ وغياب خرائط الانسحاب المُحددة بدقة، بما يعطي الاحتلال هامشاً زمنياً قد يستغله للمماطلة أو التهرب من الالتزامات، أو تعطيله تدريجياً، عبر، مثلاً، سحب قواته من مناطق قليلة التأثير، مقابل إبقاء السيطرة على مفاصل حيوية في القطاع.
ثانياً: غياب آليات رقابية فعالة ومُحايدة، بحيث يجعل تنفيذ الاتفاق رهينة لرغبة الاحتلال، في سياق لم يعرف عبر تاريخه سوى انعدام الثقة به.
ثالثاً: غياب العقوبات والتدابير الردعية في حال الخرق، مما يشجع الاحتلال على استخدام الاتفاق كمرحلة تكتيكية مؤقتة وليس كحل مستدام.
رابعاً: ربط دخول المساعدات أو فك الحصار تدريجياً بسلوك الطرف الآخر من شأنه أن يحول القضايا الإنسانية إلى أدوات ضغط سياسي بيد الاحتلال مرة أخرى، ولربما إعادة التصعيد.
ورغم أن الاتفاق يمثل خطوة تاريخية مهمة نحو إنهاء حرب دموية ووقف نزيف الدم الفلسطيني وبدء إعمار غزة؛ لكن مع وجود التيار الصهيوني المتطرف الرافض للاتفاق؛ والانحياز الأميركي للاحتلال، وغياب الثقة بالاحتلال، والسجل الصهيوني الحافل بخرق الاتفاقات، فإن التحديات كبيرة أمامه، وقد لا يُعمر طويلاً.
ولكن؛ إذا كان العالم جاداً في وقف حرب الإبادة ضد غزة وتحقيق استقرار المنطقة، فعليه الضغط على الاحتلال لتنفيذ الاتفاق، حتى لا يتحول إلى مرحلة انتقالية نحو جولة جديدة من الدمار والخراب.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-10-2025 08:41 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |