12-10-2025 08:59 AM
بقلم : نضال أنور المجالي
لقد أطلق الأستاذ هاشم الخالدي جملة جامعة ومُختزلة تُلامس عمق أزمة الفساد وطريق حلها، وهي: "حين يستيقظ الضمير .. يسقط الفساد". هذه المقولة ليست مجرد حكمة عابرة، بل هي نظرية متكاملة في الإصلاح، تؤكد أن أي جهد لمكافحة الفساد يظل قاصراً ما لم يُركّز على الجبهة الداخلية للإنسان: الضمير.
الضمير: الرقيب الذي لا يُخادَع
من الواضح أن الفساد لا يزدهر إلا في بيئة يغيب فيها الصوت الأخلاقي الداخلي. فمهما كانت القوانين صارمة، ومهما كانت الأجهزة الرقابية يقظة، فإنها تظل رقابة خارجية يمكن تجاوزها أو التهرب منها بخبث. أما الضمير، فهو الرقيب الأبدي الذي لا ينام ولا يُخدع ولا يُستمال برشوة أو وعد.
إن استيقاظ الضمير يُحوّل العلاقة مع الواجب من مجرد تنفيذ لتعليمات إلى التزام أخلاقي ذاتي. عندما يستيقظ ضمير الموظف العام، يرفض الرشوة ليس خوفاً من العقوبة، بل رفضاً لذات الفعل المشين. وعندما يستيقظ لدى المسؤول، يضع المصلحة الوطنية كبوصلة لا تحيد، مقدّماً إياها على المصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة. الضمير هو الحصانة الحقيقية التي تحصّن الفرد ضد الوقوع في مستنقع الفساد.
تحويل المعركة من قانونية إلى ثقافية
المقولة تدعونا إلى نقلة نوعية في منهج مكافحة الفساد: من التركيز المُطلق على الجانب الإجرائي (كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين)، إلى التركيز على الجانب الثقافي والأخلاقي (منع الفساد قبل وقوعه). مكافحة الفساد ليست مجرد حرب قضائية أو إدارية؛ بل هي في جوهرها معركة قيمية.
يجب أن تكون التربية على النزاهة والأمانة هي أساس مناهجنا التعليمية، وأن يكون الإعلام داعماً لثقافة الشفافية والمساءلة. المجتمع الذي يُشيد بالشخص الأمين الصادق بقدر إشادته بالناجح، هو مجتمع يصعب على الفساد أن يجد له موطئ قدم فيه. النزاهة يجب أن تُصبح قيمة اجتماعية عليا، والفساد خطيئة مُستنكرة حتى قبل أن تكون جريمة قانونية.
دور الفرد والمجتمع في اليقظة
إن يقظة الضمير المطلوبة ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي حالة مجتمعية يجب أن تتضافر فيها الجهود:
القيادات: يجب أن تكون قدوة في النزاهة وتُرسّخ ثقافة المساءلة بلا استثناء.
الجهات الرقابية: يجب أن تُعزّز الحماية للمُبلغين وتُكرّم الشرفاء.
المواطن: يجب أن يتحول من متفرج سلبي إلى شريك فاعل في الرقابة ورفض الفساد في أبسط تعاملاته اليومية.
في الختام، إن مقولة الأستاذ الخالدي تُعيد الأمور إلى نصابها، مُذكرةً بأن الاستثمار في الضمير هو الاستثمار الأهم والأكثر استدامة في طريق محاربة الفساد. لن يسقط الفساد بالعقوبات وحدها، بل سيسقط حتماً عندما يتحول الوازع الأخلاقي إلى قوة مجتمعية دافعة نحو النزاهة، وحينها فقط يمكننا القول إن الضمير قد استيقظ، وسقط الفساد إلى غير رجعة.
حفظ الله الاردن والهاشمين
الكاتب نضال انور المجالي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-10-2025 08:59 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |