سرايا - تمكن الذكاء الاصطناعي من فكّ بعض أسرار الثقوب السوداء، والغوص في أعماقها في سابقة علمية مذهلة من خلال نظرية علمية جامعة جمعت بين أكبر متناقضين في تاريخ علم الفيزياء.

نشرت مجلة PRX Quantum، دراسة استخدم فيها فريق بحثي بقيادة الفيزيائي إنريكو رينالدي الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي لمحاكاة البنية الكمومية الخفية داخل الثقوب السوداء، دون الحاجة لاختراق أفق الحدث — الحد الفاصل الذي لا يمكن لأي ضوء تجاوزه.

يحاول الفيزيائيون التوفيق بين نظرية النسبية العامة التي تصف الجاذبية على نطاق كوني واسع، وميكانيكا الكمّ التي تحكم سلوك الجسيمات الدقيقة، وهما ركيزتان أساسيتان للفيزياء الحديثة وظلتا منفصلتين حتى جاءت هذه الدراسة والتي تُعرف بـ "نظرية كل شيء".

يشرح رينالدي أن النسبية تصف الزمكان دون الجسيمات، في حين أن النموذج القياسي يصف الجسيمات دون الجاذبية، مما جعل الدمج بينهما معضلة مستمرة لعقود.
لكن بفضل الذكاء الاصطناعي ومبدأ الهولوغرافيا، بات بالإمكان ربط نظام الجاذبية ثلاثي الأبعاد بنظام كمي ثنائي الأبعاد أبسط — خطوة تقرّب العلماء من فهم بنية الكون نفسه.



نافذة رياضية على أعماق الكون

اعتمد الفريق على ما يُعرف بـنماذج المصفوفات المستمدة من نظرية الأوتار، والتي تصف الجسيمات على أنها أوتار دقيقة مهتزة تشكّل جوهر الثقوب السوداء.

وباستخدام الحوسبة الكمومية والشبكات العصبية، تمكّن الباحثون من محاكاة الحالة الأساسية لهذه النماذج — وهي أدنى حالة طاقة في النظام، ويُعتقد أنها تُشفّر طبيعة الزمكان ذاته.



فهم أصل الزمكان

يقول رينالدي: "إن فهم الحالة الأساسية للنظام الكمي يُشبه معرفة طبيعة المادة — هل هي موصلة، أو فائقة التوصيل، أو شيء لم نره من قبل".

ويؤكد العلماء أن هذه الدراسة تمثل أول دليل عملي على إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لفهم ما يحدث داخل الثقوب السوداء، وهو ما قد يفتح الباب أمام تطوير نظرية موحدة للجاذبية الكمومية.



اختراق حدود الفيزياء

لأول مرة، لا يكتفي الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات، بل يخترق حدود الفيزياء نفسها ليكشف ما كان مستحيلاً رؤيته من قبل، وأصبحنا اليوم أقرب من أي وقت إلى معرفة شكل الزمكان من الداخل — وما إذا كانت الثقوب السوداء هي مفاتيح فهم أصل الكون ذاته.