06-10-2025 11:53 AM
بقلم : سليمان الحويان
في خضم تحولات العالم المتسارعة، وتحديات العصر المعقدة، يطل علينا يوم المعلم ليس باعتباره مجرد مناسبة عابرة، بل هو محطة وقوف وإجلال أمام رمز من رموز العطاء، وحامل لرسالة هي من أقدس الرسالات.
إنه يوم نكرم فيه ذلك الإنسان الذي يحمل على عاتقه أهم وأصعب مهمة على الإطلاق: بناء العقل والوجدان، وصياغة مستقبل الأمة من خلال تأهيل أجيالها.
إن رسالة المعلم تتجاوز بكثير نقل المعلومات والمعارف الجافة من الكتب إلى أذهان الطلاب. إنها في جوهرها رسالة تربوية بامتياز. فهو ليس ناقلا للمعارف فحسب، بل هو مَنْ يفتح لأبنائه الطلاب نوافذ العقل، ويوقظ فيهم ملكة التفكير النقدي، ويغرس فيهم شغف البحث والمعرفة.
المعلم هو الشمعة التي تحترق لتضيء لغيرها الطريق، ليروا معالم الحقيقة، وليتعرفوا على ذواتهم، وليفهموا العالم من حولهم.
في قاعة الدرس، لا يقتصر دوره على تعليم "كيف يقرأ" بل "ماذا يقرأ" و"لماذا يقرأ"، ليس فقط "كيف يحسب" بل "كيف يحلل" و"كيف يبتكر".
ولا يمكن فصل هذا الدور عن الغاية الوطنية والانتمائية السامية.
فالمعلم هو حجر الزاوية في بناء جيل واع، منتم لوطنه، فخور بانتمائه لأمته، يحمل همومها وآمالها.
من بين تلك الجدران الأربعة للفصل الدراسي، يُبنى الوطن الحقيقي. هناك يُغرس حب الأرض والتاريخ، وتُنمى روح المسؤولية والمواطنة الفاعلة، ويتشكل الضمير الجمعي الذي يرفض التبعية وينزع نحو الابتكار والإسهام في رقي الأمة. المعلم هو الذي يصوغ الهوية ويحصنها من التيه والاغتراب في زمن العولمة والتدافع الحضاري.
ولكن هذه الرسالة النبيلة لا تخلو من تحديات جسيمة وظروف صعبة قد تحول دون تحقيقها بالصورة المثلى.
فكثير من المعلمين يعانون من ضعف الإمكانيات، وثقل الأعباء المادية، وضآلة التقدير المجتمعي أحيانا. قد تقف الصفوف المكتظة، ونقص الوسائل التعليمية، والرواتب غير المجزية عائقا أمام العطاء. ورغم كل هذه العواصف، يظل المعلم صامدا كالجبل الأشم، يواصل مسيرته بقلب مفعم بالإيمان برسالته، مستمدا قوته من ابتسامة طفل يستوعب فكرة جديدة، أو من نجاح طالب يشق طريقه نحو العلياء.
إن بناء جيل منتم لوطنه وأمته، قادر على مواجهة تحديات المستقبل، ليس ترفا يمكن تأجيله، بل هو ضرورة وجودية. وهذا البناء لا يتم إلا بيد المعلم الواعية، والقلب المؤمن، والعقل المتفكر. لذا، فإن واجبنا جميعا، أفرادا ومؤسسات، ليس الاحتفاء بالمعلم في يومه فقط، بل تقدير جهوده كل يوم، ودعمه ماديا وأدبيا، وتمكينه من أداء رسالته على أكمل وجه.
في الختام، نقول للمعلم: أنت لست معلما فقط، أنت مصنع الرجال، ومشعل الأمل، وحارس القيم، وأنت بالحق جندي مجهول في معركة بناء الأمة. فلك منا كل التحية والإجلال، في يومك وفي كل يوم.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-10-2025 11:53 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||