حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,10 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4491

أ. صايل خليفات يكتب: "سحروا أعين الطلاب واسترهبوهم"

أ. صايل خليفات يكتب: "سحروا أعين الطلاب واسترهبوهم"

أ. صايل خليفات يكتب: "سحروا أعين الطلاب واسترهبوهم"

07-09-2025 01:21 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. صايل خليفات
نصَّ الدستور الأردني على أن التعليم حقٌّ لكل مواطن، وأن الدولة تلتزمُ بتوفيره مجانًا لأبنائها، فالأردنيون ينظرون إلى المدرسة الرسمية باعتبارها الحاضنة الكبرى للعقل الوطني ، والرحم الأولى التي تُخرِّج الأجيال وتَرفعُ من سوية العلم والمعرفة لديهم.

لم يعد المشهد التعليمي في السنوات الأخيرة على هذه الصورة ، إذ شهد تشكّل ما يمكن وصفه ـ بلا مبالغة ـ بـمافيات التعليم الخاص ، حين تراءى قصور وزارة التربية والتعليم عن القيام بدورها الأصيل ، وهذا ما يستدعي مراجعة وفهمًا وحلولًا جريئة.

تتنافس المدارس الخاصة اليوم على اصطياد الطلاب بإعلانات براقة ، بعضها منطقي ، وبعضها يلامسُ حدود الكذب والمبالغة ، بل وأحيانًا يقترب من النصب والاحتيال .
ومن أخطر ما تمارسه بعض المدارس الخاصة أنها تسعى لشراء الطلاب المتفوقين من المدارس الحكومية بعروض مغرية ، فتجعلهم واجهة لنجاح طلابها في امتحان التوجيهي ، ليس الغرض من ذلك خدمة الطالب ولا تنمية موهبته ، بل رفع تقييم المدرسة وسمعتها ، ومن ثم جذب المزيد من الطلاب والأرباح.

لكنْ.. أيُّ فضل لهذه المدارس في ذلك؟ فهم يقطفون ثمرة النجاح التي أينعت في المدارس الحكومية ، حيث بصمات المعلمين في المراحل التأسيسية الصعبة ، حين بنوا القواعد الراسخة للعلم والمعرفة في عقول هؤلاء الطلاب ..
ثم تأتي المدارس الخاصة في أواخر الرحلة فتفوز بالإبل ، ويَتحمَّلُ الميدان الرسمي وزرَ التقصير ، ويُرمى بحجر الفوضى في (بروباغندا) منظمة ، يُتقنها تجارُ التعليم ، ويقتنعُ بها أولياء الأمور ويُروِّجونها ، ليصبحوا هم أنفسهم منصَّات دعائية متجولة ، لا يدركون أنَّهم وقود ماكينة يقدِّمون لها بأيديهم.

وما تفعله بعض المدارس الخاصة على الأرض ، تفعله اليوم ـ بشكل أشدّ استفزازًا ـ بعضُ منصات التعليم الإلكتروني ؛ إذ تشيرُ تحليلات غير رسمية إلى أن بعض هذه المنصَّات تستقطبُ عشرات الآلاف من الطلاب ، وأن عدد طلاب بعض المعلمين عليها يتجاوز العشرين ألفًا.

وعند صدور النتائج ، تُنشد المنصات ومعلموها نشيد النصر على شتى مواقع التواصل والصفحات الإلكترونية مؤطرا بأسماء عشرات الطلاب ممّن تفوقوا على أنهم صنيعتهم ، ويُسحلُ الطرف عن تساؤلات مشروعة في أذهان كثير من خبراء التربية والتعليم:
ماذا عن بقية الآلاف؟
وما هو منحنى العلامات عند جميع طلاب المنصات؟
وكم عدد الذين لم يحالفهم الحظ؟

ومما يشعرك بالتقزّز حين ترى سطوة المال قد أحكمت قبضتها على العقول والضمائر ، فجعلت بعض هذه المنصات ومعلميها يسلكون مسلكاً أقرب ما يكون إلى التسوّل ، فيتسابقون على استجداء تصريح من الطلاب المتفوقين في النتائج بأنهم درسوا عليهم ، أو ينشرون أسماء وهمية ومعدلات ملفّقة لكسب مزيد من الطلاب.

وهكذا يُختزل الطالب في مجرد رقم ضمن معادلة تجارية ، لا قيمة له إلا بقدر ما يدفع من أقساط ، أو يخدم من دعاية.

وفي مقابل هذه الصورة ، تُسجّل مدارس حكومية ـ وبوثائق رسمية من مديريات التربية ـ نسب نجاح مرتفعة تصل أحيانًا إلى 100٪ في بعض المباحث، أو 80٪ و70٪ من مجموع الطلاب الذين تقدموا للثانوية العامة ، رغم الظروف القاسية والإمكانات المتواضعة ، ولم يُسلَّط الضوء على أولئك الطلاب الذين حققوا معدلات عالية من طلاب المدارس الحكومية بشكل موازٍ لما تقوم به بعضُ المدارس الخاصة وبعضُ المنصات الإلكترونية ومن عليها من معلمين ، إذ تُسمعُ صلصلة أجراسها المحتفلة بتفوق طلابها المجرّة ومن عليها.

إن المعلمين الذين وصلوا بطلابهم في المدارس الحكومية إلى مستويات متميزة مُحافظين على تفوّقهم هم أحق بالتقدير والاحتفاء ؛ لأنهم حملوا العبء منذ بواكير التعلم ، وبنوا الطالب لبنة لبنة ، ولم يلهثوا لظهور ٍ إعلامي ، أو انزلقوا في مستنقعات التجارة ببعض ضرورات حفظ النفس واستغلالها .

قسمة ضيزى تلك التي تغفل من رصَّ اللبنات الأولى وأرسى دعائم البنيان ، وتختزلُ المسيرة فيمن جاء آخرًا ، وتَحتفي به ، متمثلة المثل الشعبي: “العُرس عندنا والطخ عند الجيران”.

إن أول ما يحتاجه الواقع اليوم هو دراسات علمية ميدانية محايدة ، ترصد مسيرة الطلاب المتفوقين منذ دخولهم المدرسة وحتى اجتيازهم امتحان الثانوية العامة ، وتُقارنُ بموضوعية بين مخرجات التعليم الرسمي والخاص والإلكتروني ، وأنا على يقين أن الكفَّة سترجحُ لصالح التعليم الرسمي ؛ لأن الخبرات التربوية العملاقة التي أوصلت طلابًا و أهلتهم ليكونوا متميزين ومتفوِّقين إلى الثانوية العامة هي الأوفر حظّاً في نسب النتائج المتقدمة.

حين تتحول حاجات المواطن الأساسية إلى سلعة تتجاذبها المافيات الناشئة في ميدانها وتجارها ، يصبح المشهد مخجلاً وموجعًا.

فما يجري اليوم ليس مجرد تنافس مدارس أو منصات ، بل هو خداع لعقول الطلاب وقلوب أسرهم سعيا للفوز بأموالهم ، وإذا لم يَعدِ الاعتبارُ للتعليم الرسمي ، وتُحسم الفوضى التشريعية والرقابية ، فسنبقى نرى أولئك الذين يسحرون أعينَ الطلاب ويسترهبونهم يختزلون كل المسيرة التعليمية الوطنية تحت عباءة منصاتهم ومدارسهم التي تغدقُ عليهم الأرباح ، وأعظم الله أجر المعلم الصادق في صفه وفي مدرسته الحكومية ، الذي يعمل ويغرس ويرحل بصمت ، وتتخطاه عدسات الكاميرات السابحة في فلك التجارة والعمولات و"يتَخطراها" ، وعوّض الله على أولياء الأمور بما أنفقوا طوعا أو كرها من أموالهم مُنخدعين طوعًا بما يسمعهُ الواحدُ منهم ويراه ، وجبر عنهم .

أ. صايل خليفات.











طباعة
  • المشاهدات: 4491
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-09-2025 01:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم