حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,25 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 8316

السرحان يكتب : إبراهيم شاهزاده إذ غاب صدى الصوت .. دروس وعِبَر

السرحان يكتب : إبراهيم شاهزاده إذ غاب صدى الصوت .. دروس وعِبَر

السرحان يكتب : إبراهيم شاهزاده إذ غاب صدى الصوت ..  دروس وعِبَر

23-08-2025 07:12 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حسين سالم السرحان
هذا المقال ليس للبكاء على الأطلال، ولا للندم على ما فات، ولا لجلد مؤسسات أو أشخاص، بل هو دعوة صادقة لتجديد التفكير في كيفية التعامل بوفاء مع من خدموا هذا الوطن، حين يخفت عنهم الضوء، وتخذلهم الصحة، وتقسو عليهم ظروف الحياة ومتطلباتها.

نحتاج اليوم إلى التذكير بأهمية وجود ثقافة إنسانية مؤسسية، تستبقي الوفاء، وتجعل الإنسان – بعد تقاعده – محلّ اهتمام، لا مجرّد حالة إحسان أو صدقة.

نحتاج إلى أن يشعر المواطن بأن دولته تحفظ له كرامته، لا أن تدفعه إلى الشكوى والتعبير عن الألم بشيء من الانكسار، لأنه عاجز عن شراء علبة دواء، أو لقمة طعام، أو قارورة ماء.

يقولون: “يرحل الإنسان، ويبقى أثره”، لكن حين يكون الراحل هو “الصوت” الذي عايشناه في نشرات الأخبار، ورافقنا في بيوتنا، وأحببناه بقلوبنا، وتماهينا مع حضوره، فإن الغياب يأخذ طابعًا موجعًا… كأن الزمن فقد حضوره البهي، ونبرة صوته الفخمة.

رحل الإعلامي الكبير إبراهيم شاهزادة، أحد أصدق الأصوات التي عبرت أثير المملكة، إذاعةً وتلفزيونًا، صوتٌ تربى عليه جيلٌ كامل من الأردنيين، كبارًا وصغارًا، وظلّ لسنوات يشكّل وجدانهم الجمعي، ويمنح الإعلام معناه وبهاءه، بل وهويته.

شاهزادة كان أول من ودّع الراحل الكبير الحسين بن طلال، بصوته المتماسك، وعبراته التي خانها الحزن، ودموعه التي لم تُخفَ عن عدسة الكاميرا، ولا تزال تتردد في الذاكرة الوطنية.
لم يكن مجرد مذيع، بل رفيق الصورة والرواية؛ صاحب الحضور الذي لا يُنسى، والموقف الذي لا يتلوّن.

رافق الملك الباني – رحمه الله – في غالبية رحلاته الرسمية، ونقل صورة الأردن إلى العالم من كبريات العواصم، وظل، رغم تقلّده منصب مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، مخلصًا لمهنته، وفيًا للميكروفون، عاشقًا للاستوديو؛ على عكس كثيرين، ما إن وصلوا إلى كراسي الإدارة حتى تخلوا عن أدواتهم الأولى، وكأنها لم تَعُد تليق بهم.

عمل الفقيد بصمت وصدق، وكان جزءًا من لحظات وطنية لا تُنسى، منها ما جرى بتوجيه من معالي الدكتور خالد الكركي، رئيس الديوان الملكي العامر آنذاك، حين تابع ونسّق لترتيبات تلحين وغناء قصيدة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، التي أدّتها الفنانة التونسية صوفية صادق، ففرح بها قلب الحسين، واغرورقت عيناه عند سماعها من الجواهري نفسه.

لكن، كما في قصص الكبار المؤلمة، تأتي الخاتمة على نحوٍ محزن…
فعلى الرغم من كل هذا العطاء، وجد إبراهيم شاهزادة نفسه في خريف العمر، محاصرًا بالضيق والعوز، وخذلان الصحة، وضيق ذات اليد.
تحدث بمرارة، وكتب بألم، واشتكى مرارًا، لا لينال تعاطفًا، بل لأنه لم يعد يحتمل الصمت.

قالها ذات مرة بصراحة مؤلمة:
“في فمي ماء… ولم أعد أتحمل بقاءه.”

أعلن أن راتبه التقاعدي ارتفع، بعد أربعين عامًا من الخدمة، من 443 إلى 446 دينارًا فقط.
وأنه يقطن شقة لا تتجاوز مساحتها 100 متر، يدفع منها 50 دينارًا للمياه، و100 دينار للدواء، و50 دينارًا لحارس العمارة، و15 دينارًا للكهرباء.
ثم ختم شكواه بكلمات حزينة لا تُنسى:
“ما تبقّى من راتبي أشتري به السردين، والتونة، والخبز.”

تابعت كل ما كتبه.
لم أرَى تعاطفًا حقيقيًا، ولا اهتمامًا جادًا.
لكن، ما إن وافته المنية، حتى تداعى كثيرون لنعيه، والإشادة بمسيرته.

مؤلمٌ جدًا أن يشعر من قدّم عمره خدمةً لوطنه بأنه منسيّ، متروك، لا يراه أحد، إلا عندما يُجبر على الشكوى.
ومؤلم أكثر أن لا يتحرك الضمير إلا بعد الموت.

رحم الله الأستاذ إبراهيم شاهزاده
فإن غاب الجسد، فالصوت باقٍ فينا،
في ذاكرتنا، في أشرطة الزمن الجميل، في الإذاعة والتلفزيون.
وإنا لله، وإنا إليه راجعون.








طباعة
  • المشاهدات: 8316
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
23-08-2025 07:12 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم