17-08-2025 08:37 AM
بقلم : نضال أنور المجالي
يُمثل الجدل حول الأحكام العرفية محوراً أساسياً في أي نقاش يتعلق بالأمن القومي والحريات العامة. وفي سياق خاص كالمملكة الأردنية الهاشمية، حيث الاستقرار والأمان هما رأس المال الأهم، يصبح هذا النقاش أكثر حساسية وأهمية. فهل تُعدّ الأحكام العرفية أداة ضرورية لحماية مصلحة الأردن في أوقات الشدة، أم أنها قد تشكل تهديداً على أسس الاستقرار التي قام عليها؟
وجهة نظر الضرورة الوطنية
من منظور الضرورة، يمكن تبرير اللجوء إلى الأحكام العرفية في حالات استثنائية جداً. الأردن، بفضل موقعه الجيوسياسي، محاط بمنطقة مضطربة، مما يجعله عرضة لتهديدات أمنية غير تقليدية. في حال تعرض البلاد لتهديد خارجي مباشر، أو أعمال تخريب واسعة النطاق، أو كارثة طبيعية كبرى، قد يصبح اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة أمراً لا مفر منه لضمان سلامة المواطنين وحماية مؤسسات الدولة.
في هذه الحالات، يمكن أن تمنح الأحكام العرفية الحكومة الصلاحيات اللازمة للتحرك الفوري دون تعقيدات الإجراءات الروتينية، مما يسمح بحماية البنية التحتية، وتأمين الحدود، والسيطرة على أي فوضى محتملة قد تهدد النسيج الاجتماعي والأمني للدولة. من هذا المنطلق، تُنظر إليها على أنها أداة وقائية قد لا يكون استخدامها مرغوباً، لكنها ضرورية كآخر ملاذ.
وجهة نظر حماية المكتسبات
على الجانب الآخر، يرى الكثيرون أن مصلحة الأردن الحقيقية تكمن في تجنب اللجوء إلى الأحكام العرفية إلا في أضيق الحدود. فمصدر قوة الأردن الحقيقي يكمن في شرعية الدولة، واستقراره المؤسسي، والعلاقة الفريدة من الثقة بين الشعب والقيادة الهاشمية. إن فرض الأحكام العرفية قد يُنظر إليه على أنه تراجع عن مبدأ حكم القانون وتعدٍ على الدستور، مما قد يهز هذه الثقة ويُضعف شرعية المؤسسات المدنية التي بُنيت على مدى عقود.
علاوة على ذلك، فإن الإفراط في استخدام هذه الأحكام قد يفتح الباب أمام سوء استخدام السلطة، وتقييد الحريات العامة، وهو ما يتعارض مع نهج الدولة الأردنية في التحديث السياسي. إن استقرار الأردن ليس مجرد استقرار أمني، بل هو استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي يعتمد على الانفتاح، وحرية التعبير المسؤولة، وسيادة القانون. إن أي خطوة تُضعف هذه الأسس قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وتُفقد البلاد مكتسباتها على المدى الطويل.
الخلاصة هي أن مصلحة الأردن لا تكمن في الجدل حول استخدام الأحكام العرفية، بل في تقوية أسس الدولة المدنية لدرجة تجعل اللجوء إليها أمراً غير مطروح. إن الأمن الحقيقي لا يتحقق باللجوء إلى أدوات استثنائية، بل بتعزيز الديمقراطية، وتطبيق سيادة القانون، وتعميق المشاركة الشعبية، وضمان أن تكون كافة مؤسسات الدولة قادرة على مواجهة التحديات بفعالية دون المساس بحقوق المواطنين. إن قوة الأردن تكمن في مؤسساته المستقرة ودستوره النافذ، وهذا هو الضمان الأكبر لمستقبله.
حفظ الله الاردن والهاشمين
نضال انور المجالي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-08-2025 08:37 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |