بقلم : د. راني شطناوي
ما يجري في قطاع الصحة اليوم ليس مجرد خلل… بل كارثة إدارية مكتملة الأركان. نموذج فجّ لتخبط وزاري مزمن، تراكم عبر سنوات من قرارات مرتجلة اتخذتها حكومات ما قبل حكومتكم، دون رؤية، دون تنسيق، ودون أدنى احترام للمنطق أو المصلحة الوطنية.

بعد جائحة كورونا، صدرت اراده ملكيه من جلالة الملك بإنشاء تخصص العلاج التنفسي في الجامعات الأردنية تلبية لحاجة وطنية ودوليه واضحه، استثمرت الدولة – عبر الجامعات الحكوميه – وكانت جوهرة الجامعات اول من استجاب لهذه الاراده تبعتها بعد ثلاث سنوات جامعة ال البيت في إعداد كفاءات أكاديمية وميدانية عالية، ببرامج تمتد لأربع سنوات، تشمل تدريبًا سريريًا وميدانيًا متخصصًا وفق أعلى المعايير.
لكن ماذا فعلت وزارات الصحة والخدمات الطبية؟ ضربت كل ذلك عرض الحائط، وبدأت بتدريب ممرضين لمدة ستة لتسع أشهر فقط، ومنحتهم لقب “أخصائي علاج تنفسي”. هكذا، ببساطة، وبلا أي اعتبار لجهود الجامعات أو حقوق الخريجين المؤهلين.
من سمح بهذا العبث؟
أين كانت وزارة التعليم العالي عندما حصل هذا التجاوز السافر ولماذا لم تخاطب وزارة الصحه او الخدمات الطبيه ؟
من وافق على سحب ممرضين من مستشفيات تعاني أصلاً من عجز حاد، لتأهيلهم بشكل مرتجل في تخصص جديد، بدل توظيف من درسوه أربع سنوات؟

هذه ليست فقط فوضى في التخطيط، بل استخفاف بالاعتماد الأكاديمي، وإهانة لمؤسسات التعليم العالي، ونسفٌ لمبادئ العدالة في سوق العمل.

ما نراه اليوم هو نتيجة مباشرة لغياب التنسيق بين الوزارات، وعقلية “الفزعة” التي أصبحت أسلوب حكم في الصحة، والتعليم، والاستثمار، والصناعة… قرارات عشوائية، وزارات تعمل كلٌّ على هواه، وكأن الدولة تدار بمجموعة جزر معزولة.

كيف تُتخذ قرارات بهذا الحجم دون وجود لجان تنسيقية مشتركة، أو اجتماعات دورية بين وزراء القطاعات الحيوية؟
كيف يُسمح بهذه المهزلة بينما شبابنا المؤهلون ينتظرون وظائفهم في طوابير البطالة؟

إلازمة ليست نقصًا في الأيدي العاملة، بل في ضعف التخطيط والرؤية. إذا استمر الأمر بنمط “الفزعة”، فلن نصل منطقًا إلى منظومة مستدامة أو تُنهض بالصحة والتعليم معًا
المطلوب الآن – لا غدًا – أن تضع حكومة الدكتور جعفر حسان حدًا لهذا العبث.
نريد خطة وطنية حقيقية، قائمة على التكامل بين الوزارات، قائمة على بيانات واحتياجات فعلية، لا على مزاج وزراء ولا على ردّات فعل مؤقتة.
لقد فشل من سبقوكم في بناء منظومة تخطيط وطنية. لا تسمحوا لهذا الفشل أن يستمر في عهدكم.
أوقفوا المهزلة، وابدأوا من جديد.

د. راني شطناوي- جوهرة الجامعات الاردنيه وأكثرها تميزا