22-07-2025 01:30 PM
بقلم : زياد فرحان المجالي
فيما تتّجه الأنظار نحو غزة المذبوحة، ومشاهد الدمار في المخيمات السورية، وفيما تتناثر أخبار المجاعة في السودان، وانهيار الدولة في ليبيا، وضياع العراق بين الاحتلال والميليشيات، يكاد العقل العربي لا يجد ملاذًا لالتقاط أنفاسه. المشهد لا يشبه سوى إعادة تدوير مأساة واحدة تتكرر بوجوه مختلفة، لكن الفاعل… هو ذاته، والمنهج ذاته، والغاية ذاتها: إعادة تفكيك ما تبقى من روح هذه الأمة.
من أين تبدأ الحكاية؟
تبدأ من لحظة تواطؤ العالم على تجريد فلسطين من إنسانيتها، وعلى ترك غزة تواجه آلة إبادة صهيونية علنية، بدعم أميركي فاجر لا يخجل حتى من تغطية قنابل الفوسفور الأبيض في مجلس الأمن. وتبدأ أيضًا من صمت العواصم، العربية والغربية، عن مشاهد الأطفال تحت الركام، والنساء اللواتي يلدن في الخيام، والمرضى الذين يموتون على أبواب المعابر المغلقة.
لكن الحكاية لا تنتهي هناك. هي تتكرّر في دمشق، حيث لم تعد الحرب تقتل، بل الجوع والخذلان. تتكرّر في السويداء ودرعا وإدلب، وتتكرّر بصيغة مختلفة في الخرطوم، وفي درنة، وفي الموصل، وفي صعدة… بلاد تنهار واحدة تلو الأخرى، دون أن يهتزّ ضمير للعالم.
هل كانت واشنطن بريئة؟
السؤال الذي لم يعد يحتمل التجميل أو التجاهل: هل كانت أميركا يوماً خارج هذا الخراب؟
من العراق إلى سوريا، ومن ليبيا إلى السودان، لا تكاد بصمات واشنطن تغيب. مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بُشّر به قبل عقدين، لم يكن سوى خارطة للدمار المنهجي، تضمن لإسرائيل أمنها وسط أنقاض من حولها.
العراق أُدخل في نفق الطائفية والانقسام، ثم تُرك فريسة لإيران والميليشيات. ليبيا فُكّكت بدبابات الناتو، وتركت لشبح الفوضى. السودان تم تقسيمه، ثم أُشعلت الحرب في داخله. وسوريا، في لحظة ضعف عربي، تحوّلت إلى ساحة تصفية حسابات دولية، ما بين روسيا وأميركا، وبين إسرائيل وإيران، وبين تركيا والأكراد، حتى ضاعت البوصلة وتحوّل الشعب إلى وقود.
سوريا اليوم… شبح الدولة
أحداث السويداء الأخيرة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وصمت دمشق المريب، كلّها إشارات على أنّ الدولة السورية، وإن بقيت قائمة شكلياً، إلا أنها تعيش حالة "موت سريري سياسي". لا قرارات سيادية، لا قدرة على السيطرة على الأرض، لا مشروع إنقاذ، ولا حتى وعود واقعية.
واشنطن، مجددًا، تعود عبر "ممرات سرية"، لتفاوض وتضغط وتحاصر وتعد وتكذب. ما قيل عن “ممر داود” – القناة الأميركية السرية نحو دمشق – هو مجرد وجه آخر لحقيقة أن سوريا ليست بعيدة عن سيناريوهات "العراق" و"ليبيا" و"السودان".
غزة… المرآة الأخيرة
غزة اليوم ليست مجرد جبهة قتال. إنها المرآة التي تعكس فشل النظام العربي، وانهيار المنظومة الأخلاقية الدولية، وفضيحة التواطؤ الأميركي مع الجريمة الصهيونية. إنها الاختبار الأخير لعالم فقد كل حسّ بالعدالة، ولأمة أنهكها الانقسام والعجز والخذلان.
الصمت الرسمي العربي ليس مفاجئًا. لكن الأخطر أن يتحوّل هذا الصمت إلى تكيّف مع الهزيمة، وإلى اعتراف غير معلن بشرعية ما تفعله إسرائيل، طالما أن واشنطن تؤيده. هنا تمامًا تكمن الجريمة الأخطر.
هل نحن أمام "سودان" جديد؟
السودان نموذج مرعب. كان بلدًا واعدًا، فانتهى به المطاف إلى جحيم لا ينطفئ، تقوده حرب أهلية بلا أفق، وتغذّيه مصالح دولية وإقليمية لا تريد له أن ينهض. النموذج يتكرّر، فقط بأسماء مدن وعواصم مختلفة. هناك من يصنع الفوضى، ثم يقدّم نفسه راعيًا للحل.
هكذا كان الأمر في العراق… وهكذا يجري الآن في سوريا، وحتى غزة. وهكذا قد نرى سيناريوهات مشابهة في دول أخرى ما زالت تقاوم الانهيار.
لماذا لا نتعلّم؟
ربما لأننا لا نملك مشروعًا عربيًا جامعًا، ولا نملك أدوات الردع، ولا نملك القدرة على استعادة زمام المبادرة. أو ربما لأننا ما زلنا نؤمن أن الحماية تأتي من الخارج، وأن التفاوض من موقع الضعف يمكن أن يصنع سلامًا، وأن أميركا يمكن أن تكون “وسيطًا نزيهًا” يومًا ما.
لكن كل التجارب – من بغداد إلى غزة – تقول العكس. تقول إن الاستقواء بأميركا هو بداية السقوط، وإن الصمت عن الجرائم الصهيونية هو مشاركة فيها، وإن تدمير سوريا لن ينقذ فلسطين، والعكس كذلك… فالنكبة واحدة، والفاعل واحد، والخراب متّصل كجسد الأمة النازف.
في الختام…
لسنا بحاجة إلى ندب، بل إلى وعي.
لسنا بحاجة إلى بيانات، بل إلى يقظة.
ما يحدث الآن ليس نهاية المطاف، لكنه إنذار نهائي.
إمّا أن تنهض الأمة بمشروعها… أو تنتظر دورها في مسلسل الانهيار القادم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-07-2025 01:30 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |