22-07-2025 12:10 PM
بقلم : د. محمد رحامنه
أصدرت المحكمة الدستورية في السابع عشر من الشهر الجاري حكمها الموسوم أعلاه، والذي توصلت من خلاله إلى عدم دستورية قانون نقابة المعلمين. وقد سبق أن تم تناول الحكم من عدة نواح، كان للناحية السياسية النصيب الأكبر من النقاش والتحليل.
ومهما يكن من أمر صحة تلك التحليلات أو مخالفتها للواقع فإن هذا المقال يسلط الضوء على القيمة القانونية المضافة من ذلك الحكم.
يمكن القول إن هذا الحكم أرسى مبدأ قانونيًا يتمثل بصلاحية المحكمة بإعادة تفسير نصوص دستورية سبق أن تم تفسيرها، وفي معرض تأكيدها لهذه المسألة تقول المحكمة: "... ومحكمتنا إذ تبحث مسألة دستورية قانون نقابة المعلمين الأردنيين، فإنها ليست غافلة عن تلك القرارات ]أي قرارات التفسير[، وإنما تهدف وصيانةً لأحكام الدستور إلى إعادة بحث هذه المسألة لوضع الأمور في نصابها الدستوري الصحيح ...".
لقد ساعد المحكمة في ترسيخ هذا المبدأ أمران؛ الأول أن الدستور نص على حجية أحكام المحكمة في نطاق الرقابة على الدستورية بقوله: "وتكون أحكامها نهائية وملزمة لجميع السلطات وللكافة"، لكنه لم يجعل لقرارات التفسير حجية مماثلة (المادة 59 من الدستور)، أما الأمر الثاني فهو أن التفسير يعد استظهارًا لإرادة المشرع، وقد يتضح لاحقًا عدم صحة ذلك الاستظهار؛ الأمر الذي يعزز أهمية إعادة التفسير.
من جهة أخرى فإن المحكمة أرست مبدأ قانونيًا آخر وهو أن قرار التفسير وإن كان يحوز قوة النص المفسر كأصل عام، إلا أنه لا يعد جزءًا منه، فقرار تفسير الدستور يبقى قرارًا تفسيريًا وإن كان يتمتع بقوة الدستور؛ فهو لا يعد جزءًا من نصوص الدستور، ومن ثم فإن الجهة التي فسرت النص تستطيع إعادة تفسيره ما لم يكن المشرع قد تبنى ذلك التفسير من خلال تعديل الدستور وإدخال مضمون القرار في التشريع، كما أن المشرع يستطيع تعديل قرار التفسير بشكل غير مباشر عن طريق إلغاء النص المفسر أو تعديله بشكل يخالف قرار التفسير.
كما أنه ينتج عن هذا الأمر أن المحكمة الدستورية لا تستطيع الرقابة على دستورية القرار المفسر لنص قانون أو نظام، فالمحكمة تراقب دستورية القوانين والأنظمة، أما قرارات التفسير فتخرج عن نطاق اختصاص المحكمة، وأن الديوان الخاص هو صاحب الاختصاص بإعادة تفسير النص الذي سبق له تفسيره.
أضف إلى ذلك فإن هذا الحكم يعد سابقة في القضاء الدستوري؛ حيث حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون بأكمله، وليس فقط عدم دستورية نص مادة أو جزء منها.
كما أن مجلس الوزراء من جانبه قد أحدث نقلة نوعية في مجال دوره في الرقابة على الدستورية؛ فبعد أن كان يدافع عن جميع النصوص القانونية التي تم الطعن بعدم دستوريتها؛ تمسكًا منه بقرينة دستورية التشريع، فقد دافع- في الحكم المشار إليه- عن مبدأ سمو الدستور؛ فلم يعد يتعامل على أنه طرف في دعوى يجب عليه إثبات عدم صحة الطعن المقدم من الطرف المقابل، بل قدم مجلس الوزراء ردًا يؤكد صحة الطعن بعدم دستورية قانون النقابة ومن ثم طالب المحكمة بقبول الطعن والحكم بعدم دستورية ذلك القانون.
لقد خطت المحكمة الدستورية سطرًا جديدًا في صفحات القضاء الدستوري الأردني: لا تحصين لأي تصرف، حتى ولو كان قرارًا صادرًا عن المحكمة الدستورية نفسها.
وعليه؛ وفي ضوء الحكم موضوع المقال فإن الحاجة تبدو ملحة لتشريع المبدأ القانوني وإجراء تعديل تشريعي ينص صراحة على صلاحية المحكمة بإعادة تفسير نصوص سبق تفسيرها أو العدول عن مبدأ قانوني؛ على أن تنعقد المحكمة بهيئتها العامة والحالة هذه؛ أسوة بمحكمة التمييز والمحكمة الإدارية العليا والمحكمة العليا الشرعية التي خولها المشرع الانعقاد بهيئتها العامة إذا أرادت هجر مبدأ قانوني سبق لها أن أقرته.
ختامًا فإن المكتب الفني للمحكمة مطالب باستجلاء المبادئ الدستورية التي رسخها الحكم المحكمة موضوع المقال؛ سندًا لأحكام المادة (4) من تعليمات المكتب الفني.
د. محمد رحامنه/ الجامعة الأردنية
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-07-2025 12:10 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |