21-07-2025 09:55 AM
بقلم :
لم تعد المجازر التي يتعرض لها سكان قطاع غزة منذ أشهر طويلة حربًا عادية تخضع لأحكام المنازعات المسلحة التقليدية، بل أضحت جريمة إنسانية مركّبة، تستهدف الإنسان الفلسطيني في وجوده وكرامته، وحقه في الحياة وتوفير أبسط مكونات البقاء له من ماء وغذاء.
فبعد أن نجحت آلة الحرب الإسرائيلية في تدمير البنية التحتية في قطاع غزة، اتسع نطاق الإجرام الصهيوني نحو استخدام سلاح التجويع كأداة حرب ضد المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ. فهؤلاء الفلسطينيون الشجعان لا ذنب لهم سوى أنهم يؤمنون بعدالة قضيتهم وبحقهم في الوجود والدفاع عن أرضهم وعرضهم، في سابقة تكشف حجم الانتهاك الصارخ لقواعد القانون الدولي الذي أصبح يدار بمبدأ قانون القوة بدلا من مفهوم قوة القانون.
فالقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، يجرم بشكل واضح صريح تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. فالمادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول تنص على أنه "يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، كما يُحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، كالغذاء والمياه ومصادر الطاقة".
وإذا ما تمعّنّا في الواقع الميداني المعاش والصور التي تتناقلها وسائل الإعلام، نجد بأن سلطات الاحتلال قد عمدت منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة إلى فرض حصار خانق على القطاع ومنع دخول الغذاء والماء والدواء.كما أنها استهدفت بشكل مباشر المخابز والمخازن ومحطات المياه والكهرباء، في محاولة ممنهجة منها لتجويع المدنيين ودفعهم إلى الاستسلام أو النزوح.
إن هذه الممارسات جميعها لا تشكل فقط خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بل ترقى إلى اعتبارها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، كما جرى تعريفهما في المادتين (٧) و(٨) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويُعدّ المسؤولون عن ارتكابها والتخطيط لها عرضة للملاحقة القضائية الدولية، سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية أو من خلال مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتيح محاكمة مجرمي الحرب من زعماء سياسيين وقادة عسكريين أمام محاكم دول أخرى.
كما أن جريمة تجويع الغزيين تتجاوز اليوم الإطار القانوني إلى البعد الأخلاقي والإنساني، حيث يشكل هذا السلوك الإجرامي أمام أعين العالم بمنظماته وهيئاته العالمية سقوطًا مدويًا للمجتمع الدولي ومنظومته الأخلاقية، التي تقف عاجزة أمام هذا الانحدار غير المسبوق في القيم الأخلاقية رغم وضوح النصوص وتكرار الأدلة.
فعندما أنشئت الأمم المتحدة في عام ١٩٤٥ تقرر لها أن تكون الكيان الدولي الذي يحمي العالم من ولايات الحروب ومآسيها، وأن تتجاوز الأخطاء والمواقف السلبية التي عجزت أمامها عصبة الأمم المتحدة التي انهارت ضعفا وخذلانا أمام شعوب العالم.
إلا أن الواقع المعاش اليوم يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المنظمة الأممية كسابقتها تفتقر إلى أدنى الآليات والمكن القانونية والسياسية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وأنها غير قادرة على تكريس أبسط حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والحفاظ على كينونتها وكرامتها الإنسانية.
إن جريمة التجويع التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الغزيين لا تسقط بالتقادم، ولا تُغتفر بالصمت، ولا تُقابل بالتواطؤ. فهي جريمة موصوفة، تفرض على الجميع العمل على تحقيق الحشد القانوني والدبلوماسي لملاحقة مرتكبيها، والضغط على الكيان المحتل لكي يقوم برفع الحصار فورًا، ويسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب دون قيد أو شرط.
لقد آن الأوان أن يتحرك الضمير العالمي، لا بالشعارات الرنانة والاجتماعات في القاعات والتصريحات من خلف الشاشات، بل بالأدوات القانونية الملزمة التي وُجدت أصلا لحماية أرواح المدنيين من هذا العبث الوحشي. فالقانون الدولي ليس قاصرا عن تجريم ما يقوم به الكيان الإسرائيلي من قتل بدم بارد بحق اخوتنا في قطاع غزة من خلال تجويعهم وسلبهم لحقهم في الحياة، إنما يجب أن تتوافر الإرادة الدولية الحقيقية لمساعدة هذا الشعب الجبار الذي أضحى اليوم قصة نضال وكفاح لن ينساها التاريخ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-07-2025 09:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |