سرايا - إدمان العمل هو من الظواهر التي قد يُنظر إليها أحيانًا على أنها فضيلة، لكنها في الواقع تمثل مشكلة حقيقية تؤثر على جودة الحياة والصحة النفسية والجسدية. هو ليس مجرد اجتهاد زائد أو رغبة في تحقيق النجاح، بل حالة تدفع الفرد إلى الانغماس المفرط في العمل على حساب باقي الجوانب الأساسية في حياته، كالعائلة، والراحة، والتوازن النفسي. فالمُدمن على العمل يشعر بالذنب إذا لم يكن يعمل، ويجد صعوبة في الاستمتاع بأوقات الفراغ أو العطل، وكثيرًا ما يخلط بين الشعور بالقيمة الذاتية وكمية الإنجاز.

لمواجهة هذه الحالة، لا بد أولاً من الاعتراف بوجودها، فالوعي الذاتي هو الخطوة الأولى لأي تغيير فعّال. بمجرد أن يبدأ الشخص في ملاحظة سلوكياته، مثل فشل العلاقات بسبب الانشغال الدائم أو التعب المزمن الناتج عن عدم التوقف، يصبح من الممكن البدء بوضع خطة للانفصال التدريجي عن دوامة العمل المستمر. من المفيد أن يُحدّد الشخص وقتًا واضحًا لبداية ونهاية يوم العمل، بحيث يتوقف تمامًا عن أداء أي مهام بعد انتهاء الساعات المحددة، ويستخدم تقنيات مثل ضبط منبّه أو تطبيقات التذكير للمساعدة على الالتزام بذلك.

كذلك، من الضروري أن يُطفئ الموظف إشعارات البريد الإلكتروني والمراسلات المتعلقة بالعمل خارج أوقات الدوام، ويمنح لنفسه الفرصة لفعل أشياء أخرى غير متعلقة بالإنتاجية. يمكن أن يبدأ بهواية بسيطة، أو حتى بمجرد تمضية وقت ممتع مع العائلة أو الأصدقاء، ما يساعد في استعادة التوازن المفقود. من العادات المهمة أيضًا أن يتعلم الشخص قول "لا" للمهام التي تتجاوز قدرته أو تعرقل راحته، وأن يُعيد تعريف النجاح لا من خلال ساعات العمل، بل من خلال أثره المتوازن على الحياة العامة.

الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية جزء أساسي من الخروج من هذا الإدمان. فالمشي، أو ممارسة التأمل لبضع دقائق يوميًا، أو النوم المنتظم، ليست رفاهيات بل ضرورات. وإذا شعر الشخص بأن محاولاته الذاتية لا تكفي، فمن الأفضل ألا يتردد في طلب الدعم المهني من معالج نفسي أو مستشار متخصص. في كثير من الأحيان، يكون إدمان العمل انعكاسًا لمخاوف داخلية أو سعي دائم لإثبات الذات، وهنا يكون العلاج فرصة لإعادة ترتيب الأولويات وفهم الذات بعمق أكبر.

أخيرًا، من المهم أن نُدرك أن العمل جزء من الحياة وليس الحياة كلها. لا ضير في الطموح، لكن لا ينبغي أن يأتي ذلك على حساب صحتنا، وسعادتنا، وعلاقاتنا التي لا يعوّضها أي إنجاز مهني. التوازن ليس ضعفًا، بل هو قمة الذكاء في إدارة الذات والنجاح المستدام.