حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,17 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 18973

د.عاصم منصور يكتب: وأد البنات بصورته المعاصرة

د.عاصم منصور يكتب: وأد البنات بصورته المعاصرة

د.عاصم منصور يكتب: وأد البنات بصورته المعاصرة

15-07-2025 09:13 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
نشرت مجلّة «الإيكونوميست» مُؤخرًا تقريرًا لافتًا تناولت فيه تحوُّلًا اجتماعيًا طالما شَغلَ المُجتمعات الشَرقية والغربيّة على حدٍ سواء، حيث ذكرت الصحيفة أن هنالك مؤشرات إلى تراجُع تفضيل إنجابِ الذكور في العديد من الدول.


نعلم جميعا أنَّ تفضيل الذُّكور كان ولعقود طويلة جزءًا من النّسيج الثقافي والاجتماعي في العديد من المجتمعات؛ خاصّة في آسيا وجنوب شرقِها. هذا التَّفضيل لم يكنْ مجرَّد شعور عاطفي؛ بلْ انعكس في سياساتٍ أُسريّة ومُمارسات طبية؛ حيث أظهرت الإحصاءات أنَّ ملايين الفتيات حُرِمن من حقِّ الحياةِ عبرَ الإجهاض الانتقائي؛ وكانت الصِّين والهِند أبرز مِثالين على هذه الظّاهرة؛ حيث اختلّت نِسبُ الذّكور إلى الإناثِ بشكلٍ خطيرٍ؛ ممَّا أدى إلى أزماتٍ اجتماعية لاحقة من عزوفِ الشّبابِ عن الزواج إلى تفشي ظاهرة الاتجار بالبشر.

تُشير الإحصاءات إلى أنَّ نسبةَ الذّكور إلى الإناثِ عند الولادة في الصين بلغت ذُروتها في العقدِ الأول من الألفيةِ الجديدةِ، حيث وصلت إلى 117 ذكرًا لكل 100 أنثى، وهو رقم بعيد عن النسبة الطبيعية (105 ذكور لكل 100 أنثى). أمّا في الهند، فقد بلغت النسبة 109 ذكور لكل 100 أنثى في عام 2010، ومع تشديد القوانين وتغيُّر القِيم الاجتماعية؛ انخفضت هذه النسبة إلى 111 في الصين و107 في الهند بِحلول عام 2023. وتُقدّر «الإيكونوميست» أنّه مُنذ عام 1980، كان عدد المواليد الإناث أقل بنحو 50 مليونا مما هو متوقَّع طبيعيًّا، ويعزى ذلك إلى ممارسة الإجهاضِ الانتقائي الذي أصبح ظاهرة خاصة بعد انتشار تقنية التصوير بالأمواج فوق الصوتية التي أتاحت للأطباء تحديد جنس الجنين في مراحل مبكرة؛ لكن هذا الرّقم بدأَ يتراجع بشكلٍ حاد في السنواتِ الأخيرة؛ حيث انخفضَ عدد حالات اختلال التَّوازن بين الجنسينِ عند الولادةِ إلى نحو 200 ألف حالة فقط في 2024 بعد أنْ كان أكثر من مليونِ حالة سنويا حتى عام 2015.
أمَّا في الدّول العربيّة؛ فالنسب بين الذكورِ والإناثِ عند الوِلادةِ تظلّ أقربَ إلى المعدّلِ الطبيعي؛ حيث تتراوح غالبًا بين 104 و106 ذكور لكل 100 أنثى، فرغم أنَّ المجتمعات العربية ما تزال تحتفظ بالتّفضيل الثقافي للذّكور؛ إلا أن ذلك التفضيل لا يصل إلى حدِّ الإجهاض الانتقائي أو اختلال التّوازن الديموغرافي بِشكلٍ خطير.
ولعلَّ المُتأمِّل في جُذور هذه الظاهرة يُدرك أنَّ تفضيل الذّكور ليس وليدَ العصرِ الحديثِ؛ بلْ هو امتداد لِموروثات قديمة ضاربة في التاريخ الإنساني؛ ففي الجاهلية، كان وأْدُ البناتِ مُمارسة شائعة عند بعضِ القبائلِ العربية؛ حيث كانت الطفلة تُدفن حيَّة خوفًا من العارِ أو الفقر أو لأسباب اجتماعية واقتصادية، وقد جاء الإسلام ليُحرِّم هذه الجريمة ويُعيد للبنتِ كرامتِها وحقّها في الحياة.
وإذا كان وأدُ البناتِ قد انتهى كفعلٍ مادّي مُنذُ قرون؛ فإنَّ بعض المُجتمعات المُعاصرة مارسته بشكلٍ غير مباشر عبرَ الإجهاضِ الانتقائي أو التَّمييز في الرعايةِ والتّعليم؛ فالفكرةُ واحدة تكمُن في حِرمان الأُنثى من حقِّها في الحياةِ وإنْ اختلفت الوسائل؛ لكن التّحولات الأخيرة كما تُشير الإحصاءات، تبشّر بأنَّ الإنسانية بدأتْ تتجاوز هذه المَوروثات.
هذا التَّحول لمْ يأتِ من فراغ؛ بلْ كان نتيجة لتغيّرات اقتصادية واجتماعية عميقة، فمع صُعود المرأة في ميادين التَّعليم والعمل وتقلُّدها مَناصِب قيادية؛ أصبحَ يُنظر للبنتِ كاستثمار ناجح قادرةٌ على إعالةِ نفسها وأسرتها؛ بلْ وحتى والديها في الكِبر؛ كما أنَّ التّحولات في أنماطِ الحياةِ وتراجُع دور الأُسرة المُمتدة؛ جعلت من القيمِ العاطفيةِ والاجتماعيةِ للبناتِ أكثرَ وُضوحًا؛ حيثُ أظهرتْ الدّراسات أنَّ البنات غالبًا ما يكُنَّ أكثر قُربًا من الأهلِ وأكثرُ رعايةً لهم في شيخوختهم.







وسوم: #الصين




طباعة
  • المشاهدات: 18973
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
15-07-2025 09:13 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم