سرايا - في قلب سلسلة جبال ريلا في بلغاريا، وعلى ارتفاع يفوق 2000 متر فوق سطح البحر، تمتد مجموعة من البحيرات الجليدية تُعرف ببحيرات ريلا السبع، وتُعد من أجمل وأشهر المعالم الطبيعية في البلقان. مشهدها البانورامي، الذي تتناثر فيه البحيرات الزرقاء بين القمم والسهول الخضراء، يجعلها مقصدًا مثاليًا لعشاق الطبيعة ومحبي المغامرة والتصوير.

تتميز هذه البحيرات بنقائها وصفائها اللافت، ويعود أصلها إلى العصور الجليدية، حيث تشكلت بفعل ذوبان الأنهار الجليدية واحتُجزت المياه في تجاويف الصخور الجبلية. ولكل بحيرة اسم يُعبّر عن شكلها أو عمقها أو طبيعتها الخاصة، مثل "دمعة" و"عين السمكة" و"الكلى" و"التوأم" وغيرها، مما يضفي على التجربة طابعًا شعريًا يتجاوز مجرد الجمال الطبيعي.


مسارات المشي وتجربة الوصول إلى البحيرات الوصول إلى بحيرات ريلا السبع ليس مجرد زيارة، بل هو رحلة في حد ذاتها، تبدأ من قرية "بانيتشا" أو من منطقة "سِبانيا"، حيث يستقل الزائرون تلفريكًا يصعد بهم إلى ارتفاع حوالي 2100 متر، وهناك تبدأ مسارات المشي بين القمم والوديان. تختلف المسارات من حيث الصعوبة، فهناك طرق معتدلة مناسبة للمبتدئين، وأخرى أكثر تحديًا لعشاق المغامرات.

أثناء المشي بين البحيرات، يجد الزائر نفسه محاطًا بجمال مذهل من كل جانب: جبال مكسوة بالخضرة، وسهول مكسوة بأزهار برية، وهواء نقي يعيد الحيوية إلى الروح. يُعتبر فصل الصيف هو الأفضل لهذه الرحلة، حيث تكون المسارات واضحة، والطقس معتدلًا، والمناظر في أبهى حلّتها. أما في الشتاء، فتصبح المنطقة وجهة لمحبي التزلج والتسلق الثلجي، لكنها تتطلب خبرة واستعدادًا خاصًا.

تناغم الطبيعة والتقاليد المحلية بحيرات ريلا ليست فقط معلمًا طبيعيًا، بل تُعد أيضًا موقعًا له رمزية روحية لدى البلغاريين. ففي كل عام، يتوافد أتباع الحركة الروحية "الأخوة البيضاء العالمية" إلى المنطقة للاحتفال بطقوسهم في تناغم مع الطبيعة، مرتدين الأبيض، ويمارسون الرقصات الدائرية بين البحيرات. هذا الحدث يُضفي على المكان أجواءً ساحرة، ويمنح الزائر فرصة نادرة لمشاهدة تفاعل الإنسان مع البيئة في أرقى صوره.

المنطقة محمية طبيعية، وتحظى باهتمام كبير من الدولة والجمعيات البيئية، لضمان الحفاظ على نقاء النظام البيئي ومنع الأنشطة السياحية الضارة. لذا، يُشجَّع الزوار على اتباع القواعد البيئية بدقة، مثل عدم ترك نفايات، أو الابتعاد عن المسارات غير المخصصة، مما يضمن استدامة هذا الجمال للأجيال القادمة.

التصوير والتخييم: تجربة قريبة من الخيال يجد عشاق التصوير في بحيرات ريلا أرضًا خصبة لابتكار لقطات مذهلة، خصوصًا عند شروق الشمس أو غروبها، حيث تنعكس الألوان الذهبية على سطح المياه، بينما تُلقي الجبال بظلالها المهيبة على المشهد. كما يُمكن التخييم في المناطق المسموح بها بالقرب من البحيرات، أو الإقامة في أكواخ جبلية بسيطة تقدم تجربة قريبة من الطبيعة.

قضاء ليلة في تلك الأعالي، تحت سماء مرصعة بالنجوم، هو لحظة لا تُنسى من الهدوء والعزلة والسحر. إنها ليست فقط رحلة جسدية إلى موقع مرتفع، بل أيضًا رحلة داخلية نحو الذات، حيث لا تسمع سوى صوت الرياح والمياه وحفيف الأعشاب، وتختفي ضوضاء الحياة اليومية تمامًا.

زيارة بحيرات ريلا السبع هي أكثر من مجرد نشاط سياحي، إنها لقاء مباشر مع الطبيعة في أقصى درجات صفائها ونقائها. هناك، حيث لا شيء يشبه الضجيج، يمكن للإنسان أن يستعيد انسجامه مع العالم، ويشعر كما لو أن كل ما حوله يتنفس جمالًا وسلامًا. إنها واحدة من التجارب التي لا تُنسى، وجهة لكل من يريد أن يرى الأرض في صورتها البكر، ويعيش لحظات لا تنتمي سوى للأماكن الساحرة حقًا.