10-07-2025 08:15 AM
بقلم : د. أجمل طويقات
ما بينَ عمّانَ ودمشقَ، خيطٌ من شرايينِ الذّاكرةِ لا يَنقطعُ، مهما حاولتِ السّياسةُ قَطعَهُ، أو شوَّهتْهُ دعاياتُ الأنظمةِ المُترنِّحةِ في مُستنقعاتِ الوَهمِ والدِّماءِ. ذلكَ أنَّ ما بينَ الشَّعبِ الأُردنيِّ وشقيقِهِ السُّوريِّ ليسَ مُجرَّدَ جغرافيا مُلتحِمةٍ أو حُدودٍ مفتوحةٍ، بل تاريخٌ مُشتركٌ، ولغة واحدةٌ، ودِينٌ واحدٌ، ومستقبل واحد، وألَمٌ واحدٌ، وعدوٌّ يَتربَّصُ على بوابةِ الهُويَّةِ.
ستُّون عامًا، حاولَ النِّظامُ البائد في سوريا أن يَقطعَ حبلَ المحبَّةِ بينَ الشَّعبَيْنِ، فنفَثَ إعلامَهُ المسموم، وصوَّرَ الأُردنَّ جارًا مُتخاذلًا، لا جدارًا يُسندُ، ولا يدًا تُؤازرُ. بينما كانَ الأُردنُّ هو السند، رغمَ التشويه والإفتراءِ الذي حاول النظام البائد ومرجفوه نشره، إلا أن الأردن ما أنفك يَفتحُ قلبَهُ للنَّازحينَ واللاجئين، ويَمنحُ أبناءَ الشَّامِ مأوًى لا مَنَّةً فيه، بل أداءً لواجبِ العُروبةِ والدِّينِ، ومبدأِ الثَّورةِ العربيَّةِ الكُبرى، التي قامتْ على الانعتاقِ من الاستبدادِ، لا المُساومةِ مع الطُّغيان.
اليومَ، تتبدَّلُ المشاهدُ، ويُطِلُّ فجرٌ جديدٌ من نافذةِ الشَّمالِ، حاملًا رسائلَ دفءِ من اللاذقيَّةِ وريفِها، إلى درعا ومَسجدِها العُمريّ. تُرى، هل بدأتْ فكرةُ التَّوأمةِ تُزهِرُ من جديدٍ؟! وهل صارَ الالتحامُ بينَ الشَّعبَيْنِ مُمكنًا لا مُؤجَّلًا؟!
نعم، فالأُردنُّ يُمارسُ دورَهُ التَّاريخيَّ بشرفٍ ووعيٍ، من خلالِ انفتاحٍ مسؤولٍ على "سوريا الجديدة"، سوريا ما بعدَ الجلَّادِ، سوريا التي يَحقُّ لأهلِها أن يَحلموا بها، وأن يَصوغوها بأيديهم، لا بأصفادِ أجهزتِهم.
إنَّ المُشاركةَ الأُردنيَّة في إطفاءِ الحرائقِ في غاباتِ سوريا، أو في حضورِ محافظِ إربدَ في قلبِ درعا، ليستْ مُجرَّدَ إشاراتٍ رمزيَّةٍ، بل إعلانٌ صريحٌ بأنَّ يدَ العَونِ ما زالتْ ممدودةً، وأنَّ الجارَ الذي لم يَغبْ عن عُروبتِهِ، سيَبقى حاضرًا في مِحنةِ شقيقِهِ.
لسنا نَحلمُ بوَحدةٍ عاطفيَّةٍ، ولا بحدودٍ ذائبةٍ، بل نُؤمنُ أنَّ مَناعةَ الإقليمِ تبدأُ من تصالُحِ الشُّعوبِ، ومن انتصارِ الهُويَّةِ العربيَّةِ على طوائفِ الحقدِ وأطماعِ الغرباءِ. فمن انحازَ لإيرانَ طائفيًّا ضدَّ شَعبِهِ، لا يُمكن أن يكونَ صوت العُروبةِ، ولا راعي المصلحة القوميَّة.
إنَّنا نَشكُرُ قيادتَنا الهاشمية الحكيمةَ وحكومتنا الرشيدة على هذا النَّهجِ النبيل، ونُؤمنُ أنَّ السَّيرَ على خُطى الثَّورةِ العربيَّةِ الكُبرى، لا يكونُ إلَّا بإعادةِ الاعتبارِ للإنسانِ العربيِّ، في كرامتِهِ، وهُويَّتِهِ، ومكانِهِ. وهذا هو الرِّهانُ الحقيقيُّ، الذي تَنتصرُ بهِ الدُّولُ، وتَعلو بهِ الشُّعوب.
الأُردنُّ، بقوَّتِهِ الأخلاقيَّةِ والوطنيَّةِ والسياسية، لا يَتدخَّلُ في الشَّأنِ السُّوريِّ، لكنَّهُ يُؤمنُ أنَّ الشَّقيقَ في الضِّيقِ لا يُترَكُ، وأنَّ الأمنَ القوميّ لا يُبنى على خَرابِ الجِيرانِ، بل على ازدهارِهِم.
ولذلكَ، فإنَّ الانفتاحَ الأُردنيَّ ليسَ اصطفافًا، بل اصطفاءٌ لخطٍّ استراتيجيٍّ يَعودُ بالنَّفعِ على السِّيادةِ، والاقتصادِ، والاستقرارِ، ويُعيدُ للعلاقاتِ العربيَّةِ معناها الشَّريفَ، بعد أن شوَّهَتها تحالفاتُ الدَّمِ والارتهان.
فلنُثبِّتْ أقدامَنا في الأرضِ، وعيونَنا على المُستقبلِ. فالشَّعبانِ الأُردنيُّ والسُّوريُّ، وجهانِ لعملةِ الكرامةِ، إنْ سقطَ أحدُهُما، تكسَّرتِ العملةُ، وإنْ تماسكا، عادَ التَّاريخُ العربيُّ يُكتُبُ بمِدادِ الكبرياءِ.
وإنْ سألونا عن موقِفِنا، قُلنا:
نحنُ أبناءُ الثَّورةِ العربيَّةِ الكُبرى، لا نَنسى، ولا نَخونُ، ولا نَغدرُ. نُؤمنُ بأنَّ الجارَ العربيَّ سَندٌ، لا عبءٌ، وأنَّ الإنسانَ العربيَّ لا يُهانُ... لا في دمشقَ، ولا في عمّانَ.
فكما قالَ شاعرُ العُروبةِ عمرُ أبو ريشة:
إذا ما رفعنا رايةَ العُربِ خافقَةً... فلا تَسألوا عن موطنٍ أو مَشاربِ
فكلُّ بلادِ الضادِ بيتٌ لأهلِها... وكلُّ شقيقٍ عربيٍّ قريـبُ
اللهمَّ عزز وحدتنا العربية ولا تُفرِّقْها، وارزُقْ أوطانَنا الأمن، وشُعوبَنا الحكمةَ، وقادتَنا البصيرةَ، وأعداءَنا الخَيبَة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-07-2025 08:15 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |