29-06-2025 09:37 AM
بقلم : د. أحمد بطّاح
إنّ مما لا شك أنّ المواجهة التي دارت بين إسرائيل وإيران في الفترة ما بين (13-24) من هذا الشهر سوف يكون لها ما بعدها حيث استطاعت إسرائيل ومن على بعد 2000 كم2 أن تمارس -بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة- خداعاً استراتيجياً لإيران انطوى على خرق أمني فاضح أدّيا في المحصلة إلى تدمير (أو شبه تدمير) للمشروع النووي الإيراني، وإلى توجيه ضربة قوية للترسانة الصاروخية الإيرانية، وذلك فضلاً عن قتل عددٍ غير قليل من القادة العسكريين الكبار، وعدد مهم أيضاً من العلماء الإيرانيين النوويين.
صحيح أنّ إيران ما لبثت أنْ استفاقت بعد الضربة الأولى في يوم 13/06 ووجّهت ضربات صاروخية مؤثرة إلى إسرائيل جعلت نتنياهو يعترف بأنّ إسرائيل دفعت "أثماناً باهظة" في هذه المعركة، ولكن الحقيقة هي أنّ هذه "الأثمان الباهظة" التي دفعتها إسرائيل لن تؤثر في النتيجة النهائية وهي أن إسرائيل انتصرت انتصاراً واضحاً في هذه المواجهة.
إنّ السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: ما الارتدادات المتوقعة لهذه المعركة الإسرائيلية الإيرانية المِفْصلية في سياق الصراع الإقليمي المحتدم بينهما؟
أولاً: كرّست إسرائيل نفسها كقوة إقليمية قادرة وفاعلة سوف تَحْسب دول الإقليم حساباً لها، وعلى الأرجح أن هذه الدول سوف تداريها وتتجنب الصدام معها وبخاصة أنها مسنودة بالقوة الكونية الأولى في هذا العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، واستثماراً لهذه الوضعية، فإنّ من المتوقع أن تمضي إسرائيل قُدُماً في التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني المتمثل في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بل لن تتردد في محاولة تصفية القضية الفلسطينية بكافة الوسائل والسبل.
ثانياً: أخرجت هذه المواجهة إيران من معادلات القوة في الإقليم فبعد أن كانت رأس ما سُمّي "محور المقاومة والممانعة" أصبحت دولةً مهيضة الجناح مطلوب منها أن "تلملم" نفسها، وتحافظ على ما تبقى من قوتها، وهي بالقطع لم تعد القوة الإقليمية التي تستطيع المنافسة بجدارة مع القوتين الأخريين في الإقليم وهما تركيا وإسرائيل. إنّ إيران دولة كبيرة بلا شك (ما يقارب الـ 90 مليون إنسان يعيشون على مساحة 1,700,000 كم2 وبإرث حضاري وتاريخي غني)، ولكن ما لا يمكن إنكاره أنها تلقت ضربة شديدة وقد تحتاج إلى سنوات وسنوات لكي تستعيد نفسها.
ثالثاً: أوضحت هذه المواجهة بما لا يدعو مجالاً للشك أن الولايات المتحدة ما زالت "القطب" الأوحد الذي يتربع على عرش العالم، فقد هاجمت إيران في مخالفة واضحة للقانون الدولي، وفي تجاهل للتحذيرات الروسية من مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، وللمصالح الصينية المرتبطة بشكل وثيق بإيران. صحيح أنّ العالم يتحرك نحو عالم "الأقطاب المتعددة"، ولكن الصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة ما زالت ًالقطب" الأوحد الذي يتفرد بامتلاك أهم مقومات القوة، فالاقتصاد الأمريكي يشكل ربع اقتصاد العالم، وللولايات المتحدة أكثر من 800 قاعدة منتشرة في معظم بقاع الأرض، وهي تترأس "الناتو" الذي يضم أكثر من 32 دولة، ويُعّد الحلف الأقوى عسكرياً في العالم.
رابعاً: أفرزت هذه المواجهة أرضية مُؤكدة للصراع بين إسرائيل وتركيا فهما قوتان إقليميتان متنافستان (رغم أن كليهما حليف للولايات المتحدة)، وبخاصة بعد سقوط النظام السوري وقيام نظام سوري جديد موالٍ بشكل واضح لتركيا، وغني عن القول أنّ إسرائيل لم تكّن مرتاحة ومنذ عام 2002 لقيام حكم إسلامي معتدل بزعامة "أردوغان" في تركيا، وذلك فضلاً عن عدم وجود "كيمياء" بين نتنياهو وأردوغان. إن من المتوقع -في ضوء غياب إيران عن الساحة- أن تتّحرش إسرائيل بتركيا وبالذات في سوريا.
خامساً: ثبتت هذه المواجهة حقيقة أنّ إسرائيل فوق القانون الدولي "فرغم أنها دولة نووية" بمعرفة العالم كله (وبغض النظر عن عدم اعترافها رسمياً بذلك) فإنّها تريد أن "تحتكر" السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، وهي تعتبر أن معركتها ضد إيران معركة "دفاعية"، ومن المضحك المبكي حقاً أن الغرب يوافقها على ذلك، بل ويشاركها (وبالذات الولايات المتحدة) في إنهاء البرنامج النووي الإيراني وكأنه يقول للعالم: نعم يحق لإسرائيل ما لا يحق لغيرها وهو في ذلك يتبنى "المعايير المزدوجة"، وشعاره يقول القوة هي الحق (Might is right).
سادساً: وضعت هذه المواجهة العرب في موقف حَرِج يتطلب منهم أن ينهضوا، وأن يتضامنوا، وأن يتصدوا بكافة السُبل الممكنة لإسرائيل التي تطمح -في ظل الأوضاع المستجدة- أن تتسيّد المنطقة، ولعلّ من الواضح تماماً أنّ إسرائيل لن تقبل من العرب مجرد "القبول بالأمر الواقع"، بل سوف تتوقع منهم التبعية بشكل أو بآخر تقودها في ذلك "أوهام توراتية" عن "أرض إسرائيل" الكاملة التي يحكمها "شعب الله المختار".
إنّ المواجهة مازالت قائمة في الواقع رغم وقف إطلاق النار حالياً ودُنيا السياسة "حُبلى" بالمتغيرات دائماً كما يقولون!
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-06-2025 09:37 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |