حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,26 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4149

د. أيوب أبودية يكتب: حرب الخليج الثالثة وتداعياتها الاقتصادية

د. أيوب أبودية يكتب: حرب الخليج الثالثة وتداعياتها الاقتصادية

د. أيوب أبودية يكتب: حرب الخليج الثالثة وتداعياتها الاقتصادية

24-06-2025 08:38 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. أيوب أبودية
قبل فرض العقوبات الدولية المشدَّدة، كانت إيران تُعدُّ عملاقًا نفطيًّا بامتياز. تمكَّنت من تصدير كميات ضخمة من النفط الخام إلى أسواق عالمية متنوعة، خاصة في أوروبا وآسيا. كانت خطوط الإنتاج تعمل بكامل طاقتها، والبنى التحتية للتصدير متطورة، مما جعل النفط عصب الاقتصاد الإيراني.


مع تشديد العقوبات، انكمشت صادرات النفط الإيراني انكماشًا حادًّا، لكنها لم تتوقف. اتَّبعت طهران استراتيجيات مرنة لتفادي القيود، مثل التحوُّل نحو شركاء آسيويين، خاصة العملاق الاقتصادي في الشرق، الذي ظلّ المستورد الرئيسي عبر قنوات غير مباشرة. واعتماد أساطيل مموهة لنقل النفط، مع عمليات نقل بين السفن في عرض البحر. كذلك منح خصومات كبيرة لجذب مشترين مستعدين لتخطي المخاطر السياسية.


أما صادرات الغاز، فظلّت مُحاصَرة بالعقوبات، إلا أنها استمرت عبر خطوط أنابيب برّية نحو دول الجوار، رغم عدم استقرارها أحيانًا. فالغاز يبقى حبيس الجغرافيا، فمعظم صادراته تُوجَّه برًّا لدول مجاورة، بينما تمنع العقوبات تطوير مشاريع التسييل الضخمة.


في تقرير صادر حديثا عن منتدى العالم الاقتصادي لعام 2024، كان هناك طلب قياسي على الطاقة، حيث أدت النزاعات العالمية، ومنها الحرب الروسية الإوكرانية تحديدا، إلى تعطيل تدفقات التجارة، بينما دفع الطلب المتزايد على الكهرباء، بما في ذلك استهلاك مراكز البيانات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI)، دفع الطلب العالمي على الطاقة إلى الارتفاع بنسبة 2.2% (أسرع وتيرة منذ سنوات).


ان طلب بحث واحد على نموذج ذكاء اصطناعي متطور قد يستهلك طاقةً تزيد ١٠ مرات عن طلب بحث في محرك عادي. وفي بعض مراكز البيانات العملاقة تستهلك طاقةً تُضاهي استهلاك مدن.


وعلى الرغم من التوسع المستمر في مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، فقد وصلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة إلى مستوى قياسي بلغ نحو 38 مليار طن. وهذه أخبار سيئة لتطلعات العالم للحد من معدل ارتفاع درجة الحرارة عالميا.


وفي الوقت نفسه نما الاستثمار في الطاقة النظيفة إلى أكثر من 2 تريليون دولار - أي ضعف مستويات عام 2020، ولكنه ظل أقل بكثير من 5.6 تريليون دولار المطلوبة سنويًا حتى عام 2030. وربما يكون السبب في ذلك أيضا استنزاف الحرب في شرقي أوروبا أموال هائلة على المعدات العسكرية وتكنولوجيا الدمار.


ففي ضوء ذلك وضعنا سيناريوها افتراضيا مماثلا لحرب الخليج الثالثة (حزيران 2025)، اذ نتوقع تفاقم أزمات سلاسل التوريد هذا العام مع احتمالية إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره 30% من النفط العالمي، وعندها ستنهار إمدادات النفط والغاز المسال إلى آسيا وأوروبا. وربما يتجاوز ارتفاع سعر برميل النفط 200 دولار، مع نقص حاد في منتجات التكرير. لذلك فإن التوجه نحو المركبات الكهربائية يزيد من الأمان.


والاخطر من ذلك هو ان تحدث صدمة للطلب العالمي على الطاقة فتواجه مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي انقطاعات كهربائية متكررة في آسيا وأوروبا، ما يهدد نمو القطاع الرقمي ويُكبد الشركات خسائر بمليارات الدولارات. عندذاك فلا مناص من التحول إلى الفحم، اذ ستلجأ دول مثل الهند والصين إلى زيادة انتاج الفحم لتعويض نقص الغاز والنفط، مما يرفع الانبعاثات فوق المستوى القياسي.


وما قد يزيد الامر تعقيدا تراجع استثمارات الطاقة النظيف وتوجه دول الخليج وأوروبا استثماراتها نحو الأمن العسكري والطاقة التقليدية، مما يخفض تمويل الطاقة المتجددة. وهذا بدوره سوف يؤدي الى تباطؤ النمو وانخفاض معدل نمو الاستثمار في الطاقة النظيفة، مع إلغاء مشاريع كبرى (مثل محطات الرياح البحرية في أوروبا) نتيجة عجز التمويل، فالفجوة سوف تتسع، متأثرة بارتفاع تكاليف المواد بسبب الحرب.


وهناك تبعات أخرى محتملة لهذه الحرب، مثل انهيار منظمة أوبك بفعل تضارب مصالح روسيا والصين (المتحالفة مع إيران) ودول الخليج. فضلا عن ظهور أزمة لوجستية عالمية بفعل ارتفاع تكاليف الشحن وتأمين السفن بسبب تحويل السفن حول رأس الرجاء الصالح، مما يرفع أسعار السلع الأساسية.


وبالتالي هناك سيناريوهات التكيف المحتملة، مثل التسريع النووي، فدول مثل الصين وبريطانيا وفرنسا قد تُسرّع برامج الطاقة النووية لضمان أمن إمدادات الكهرباء. وربما تؤدي خطط طوارئ الطاقة في أوروبا الى إعادة تشغيل محطات الفحم المغلقة وتأجيل خطط التخلص منها حتى 2040، وأيضا إعادة تشغيل المحطات النووية القديمة، الأمر الذي سوف يزيد من احتمالات حدوث كوارث نووية على غرار تشرنوبل وفوكوشيما.


ولكن بالمقابل ربما تحدث اختراقات تكنولوجية في تخزين الطاقة (البطاريات المطورة )، والتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة وزيادة كفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك.


وبناء عليه، فإن تداعيات حرب الخليج الثالثة ربما تُعمق أزمات الطاقة السابقة بزيادة الانبعاثات وتراجع الاستثمار الأخضر لأول مرة منذ أزمة كورونا 2020، مع عواقب طويلة المدى بشأن التكيف مع التغير المناخي، فيغدو الركود العالمي حتمياً بسبب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة، علما بان التأثيرات سوف تكون أقسى على الاقتصادات النامية.


هذا السيناريو ليس تنبؤاً بل إنذاراً استراتيجياً يُظهر كيف يمكن لصراع جيوسياسي واحد أن تكون له تبعات متعددة. ولكن هناك بدائل، فيمكن للدول النفطية الاستثمار في الأردن بوصفها الأكثر أمنا في المنطقة، وصلة الربط بالعالم الغربي، كبناء أنابيب للنفط والغاز عبر السعودية إلى العقبة جنوبا، وشمالا عبر الاردن وسوريا الى دول البحر المتوسط واوروبا الشمالية. وهكذا يمكن لدول الخليج تنويع جغرافيا تصدير الطاقة إلى العالم، الامر الذي يجنبها ازمات مشابهة في المستقبل.

الراي











طباعة
  • المشاهدات: 4149
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-06-2025 08:38 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم